آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

كم مرة ضرب زيد عمرا؟

أثير السادة *

بعد حادثة ملعب النور، تداول الناس بكثير من الغضب والامتعاض مقاطع اللكم التي انتهت بشطب مدرب فريق النور ومنعه من مزاولة أي نشاط رياضي رسمي من قبل الاتحاد السعودي لكرة اليد. كان مفهوما أن تصبح المادة المرئية أداة للإدانة ولتحويل الحادثة إلى قضية رأي عام، وهو ماحصل بالفعل، وجعل من مسألة التعاطف مع الطرف المعتدي أمرا غير قابل للتبرير.

القضية منذ بدايتها خرجت من كونها قضية رياضية لتتسع وتصبح قضية اجتماعية وأخلاقية وأمنية، فاتحة الطريق للمزيد من النقاشات حول ما ينبغي وما لا ينبغي، وما يليق وما لا يليق، وما يدرجه القانون من عقوبات تتعلق بالاعتداء على الجسد.. تلك المتواليات طبيعية ويمكن التعامل معها ضمن سياقاتها الخاصة، إلا أن الاستمرار في تداول المقاطع وتدويرها أصبح هو الآخر لونا من الاعتداء على الطرف المعتدى عليه، بنحو يجعل من اللكمات حية وحاضرة وكأنها تحدث في كل يوم، والإهانة شعورا طاغيا في كل لحظة.

لعبة التدوير التي يمارسها الناس للأخبار والمقاطع والصور تجري غالبا بعيدا من دوائر الأسئلة الأخلاقية، هاجس المشاركة إلى جانب الأسبقية يحرض كل واحد فينا إلى التسابق في تمرير كل شيء، خسرنا في هذا الركض الإلكتروني فاصلة التفكير في صلاحية ما نرسله للآخرين، وإن كان هنالك موانع أخلاقية تتصل بالجانب الاعتباري للأشخاص محل التصوير أو التقرير، تبدو مشاعرنا باردة جدا ونحن نقلب في مقاطع بها عنف تجاه الأطفال، وأخرى بها حالات ووضعيات لا يرغب أحد منا أن يكون فيها، والمسوغ لنشرها وتبادلها ليس سوى العادة التي جلبتها تطبيقات ومواقع التواصل.

حين يتحدث الأب عن تأثير التغريدات والفيديوهات على الجانب النفسي لإبنه في تصريحه لواحدة من الصحف المحلية فهو يضع المتعاطفين والمعارضين على حد سواء أمام اختبار أخلاقي، فالرسالة وصلت، والمسألة أصبحت معاملة يجري التعامل معها وفق القواعد النظامية، ولا مبرر لجعل الحادثة منصة لتسوية الخلافات، وتوسيع رقعة المعركة مع الآخرين.

معركة الضحية الآن ليست مع صاحب اللكمات فقط، بل مع الأشخاص الذين أحالوا المقاطع المصورة إلى تسلية يومية، إلى فرجة لا تختلف عن الفرجة المألوفة في مباريات المصارعة، مع أولئك الذين سيتاجرون ليلا ونهارا بالقضية لتسليط الضوء على شخصهم، وهم لا يملكون من تفاصيل الحادثة إلا سطحها، ومن النوايا إلا الشراء والبيع في سوق المجابهات مع الخصوم.

لو أردنا إنصاف الضحية، فعلينا أن نشطب المقطع من حساباتنا، وأن نقف معه بالتوقف عن حث الناس على النظر في الصور، وأن نستثمر في هذا الحادث المؤسف بالدعوة إلى مبادرات تعزز من الروح الرياضية عند اللاعبين والجماهير على حد سواء، أن نفكر في الغد وما بعده، قبل أن نقضي الوقت في الثرثرة حول الماضي دون الاستفادة من دروسه حتى.

وبس.