فتياتُ وشبابُ «نيوم».. نحنُ التغيير
”ندخل الميدان بشغف ما ينطفي“، صرخت الفتاة بأعلى صوتها، عندما مررت لها زميلتها في فريق كرة القدم الكرة، مسجلة هدفاً، بتسديدة قوية لم تخطئ وجهتها!
كانت روح العمل الجماعي والفريق الواحد هي السائدة، تستشعرها، تلاحقها ببصرك، وأنت منشدٌ للفيديو القصير الذي امتد لدقيقة واحدة، فقط.
ستون ثانية كانت كافية لتشع كشمسٍ عالية، دافئة، حارقة للجمود، وقوية كخزان وقودٍ يدفع قطار التغيير والإصلاح نحو الأمام، مسافات ومسافات.
كانت اللقطات السريعة، تتنقل بين الكرة المتدحرجة بين أرجل الفتيات، الشبانُ الذين يمتطون ألواحهم الأثيرة تحملهم على جناج السرعة متزلجين بين المفازات، العالم والعالمة في المختبرة، وزميلتها التي تقود سيارتها الرياضية السريعة، دون أن يخطئ قلبك صوت الموسيقى المنساب من الغيتار الذي يتجاور مع البيانو.
هذه المشهدية المركزة، توجت بصوتٍ واثق يقول: التغيير كلنا.. حِنا السعودية!
هو ذا العنفوان، الذي كتبتُ عنه في المقال السابق ”روح الجيل السعودي الجديد“، ولعل أبرز مثالٍ آخر عليه، إضافة للتجربة التي سردتها حول ”ذا ستيج“، هو تلك المجموعة من الفتيات والشبان العاملون في مشروع ”نيوم“، والذي حكى عنهم فيديو نشرته ”نيوم“ عبر حسابها في ”يوتيوب“، سبتمبر 2022، بمناسبة اليوم الوطني السعودي.
في منطقة لا تزالُ بكراً، بعيدة عن الحضارة والعمران، ووسط مجمع سكني للعاملين فيها ومكاتب، وشيء من الخدمات التموينية والترفيهية، يعيش هؤلاء الشباب، قادمين من مدن وقرى سعودية متعددة. بعضهم ترك حياة فيها من الرفاهية والراحة الكثير، إلا أنهم التحقوا ب ”نيوم“، لأنهم لا ينظرون للمشروع كفرصة وظيفية عادية، بل يعتقد هؤلاء أنهم يشاركون في صناعة مستقبل وفضاء حضاري ومعماري واقتصادي جديد، مختلف عن كل ما حدث من قبل في السعودية، بل مشروع فريد على مستوى العالم.
هذا الشعور بأن هنالك حلماً وطنياً كبيراً، وأن يكون الفرد جزءا منه، مساهماً في الإنجاز، شريكاً في تحقيق هذا الطموح، هو ما يجعل الفتيات والشباب السعودي يفضلون العمل في ”نيوم“.
الجلوس على الأريكة قرب العائلة والأهل، الذهاب إلى الأسواق والمقاهي والمطاعم الفارهة، التكاسلُ الجميل في الديوانيات والضحكات والنميمة المستحبة مع الصحب.. كل تلك التفاصيل التي تأسر الكثيرين في المجتمع، تحرر من ضغوطها الجيل الجديد من السعوديين في ”نيوم“، لأن الهدف أكبر، ألم يقل أبو الطيب المتنبي: ”وإذا كانت النّفوس كباراً، تعبت في مرادها الأجسامُ“.
هذا الجهد لا يطيقه الكثيرون، ولذا، فإن ما يقوم به السعوديون في ”نيوم“ يتجاوز الشعور بالزهو أنهم جزء من مجتمع ”نيوم“، ويستحيلُ إرادة صلبة، يقف وراءها وعيٌ.. وهي بذلك تجسيد لقول المتنبي ”لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ، الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ“، لأن هذه ”السيادة“ التي ستسجل لهؤلاء الرهط المشاركون في البناء، لم تكن لتحصل لولا الإصرار على العمل، ولولا وجود بيئة تحفز على ذلك.
ما يميز هذا الجيل، أنه لم ينظر للراتب الأعلى، ورغم أن مميزات ”نيوم“ جذابة في سوق العمل، إلا أنه بإمكان البعض الحصول على فرص وظيفة قد تكون أفضل من حيث المردود المالي، وفي مدنٍ تتوفر فيها الرفاهية كالرياض وجدة والظهران، إلا أن كثيرين لم يكن الراتب هو شغلهم الشاغل، وإنما أن يسجل اسمهم في قائمة بنائي ”نيوم“.
”وين ما رحنا نترك ذكرى وأثر“، يقول الشباب في فيديو ”نيوم“، مضيفين ”علومنا تسمع، نحتفي وما نكتفي“، مبدين عزمهم ”نسابق المجد بدون نهاية أو حد“.. هي ذي روح الجيل الجديد التي ستصنع الفرق، وتحقق ما يعتقد البعض أنه مستحيل، إلا أنه لن يكون عصياً عليهم، طالما كان العلم والتعلم والإصرار والتخطيط والصبر والتعاون، حبلهم المتين الذي به يتمسكون.