آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

‏التعليم عن بعد أو قرب في رمضان

عيسى العيد *

واحدٌ من أسس نجاح العملية التعليمية هو تفاعل التلميذ مع معلّمه، يتفاعل معه من حيث المشاركة الفاعلة والسؤال عمّا لا يفهمه، والانتباه الدائم لشرح وتوجيهات المعلم، وهذا لا يحصل إلّا في قاعة الفصل الدراسي، بالإضافة إلى توفّر جميع الأدوات المساعدة على التعلّم مثل الكتاب والقلم وغيره من أشياء خاصة بالمادة الدراسية، خصوصًا إذا كانت تلك العلوم تأسيسية.

في أزمة كورونا التي حصل فيها التباعد الاجتماعي، ودعوة الممارسين الصحيين إلى عدم التجمّعات في الأماكن المغلقة، احتاج التعليم إلى أن يكون عن بعد، حاله كحال كثيرٍ من الأمور المرتبطة بالناس، لذلك تم تفعيل منصة مدرستي التي تتيح للطالب تلقّي دروسه عن بعد ويتفاعل مع معلّمه عبر تلك المنصة، في وقتها حُلّت المشكلة وحضر الطلاب دروسهم، بجهود معلّميهم الذين بذلوا جهدًا كبيرًا لإتمام الدراسة عبر المنصة على أكمل وجه.

وعندما انتهت الأزمة وصار الناس في مأمن من ذلك الشبح المخيف الذي هدّد حياة الناس، طالبت وزارة التعليم بعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، وإبقاء منصة مدرستي متاحة وقت الحاجة، كما في حال سقوط أمطار غزيرة قد تعيق حركة التنقل، أو أيّ أزمات مختلفة، تكون عوضاً عن الحضور في الفصول الدراسية، وقد استفيد منها عندما علّقت بعض المناطق الدراسة بسبب هطول أمطار غزيرة قد تهدّد سلامة الطلاب.

في هذه الأيام، قبيل شهر رمضان، تعالت أصوات دعوات كثيرة تنادي عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن تكون الدراسة عن بُعْدٍ طوال شهر رمضان،؛ لأنّهم اعتبروا شهر رمضان موسماً ينبغي تفعيل المنصة فيه للدراسة؛ لوجود ازدحام في الطرقات، بسبب تزامن دوام جميع موظفي القطاع العام والخاص، فلكي نقلّل من الازدحام المتوقع وتصبح الطرقات غير مزدحمة، باعتبار أنّ شريحة كبيرة من الناس، وهم الطلاب والطالبات والمعلّمون والمعلّمات، باقون في منازلهم، وفي الوقت نفسه تتاح الفرصة لأولياء الأمور والأمهات متابعة أبنائهم في المنزل، وفي هذه الدعوة شيء من المنطق الذي ينبغي أن يكون موضع اهتمام المسؤولين.

في المقابل، ثمة معارضون لهذه النداءات، إذ يرون أنّ مخرجات التعليم كانت ضعيفة، بسبب أزمة كورونا، فلم يكن جميع الطلاب جادّين في متابعة المعلم أثناء شرح الدروس، ولا يستطيع المعلم ملاحظة الطالب عن قرب ليتأكد من تفاعل الطالب ومشاركته في الدرس، فالمنصة حاجتها تكون في أوقات حرجة جداً، وشهر رمضان ليس عقبة تمنع حضور الطلاب لتلقّي العلم في المدارس.

أما مشكلة الازدحام المروري في أثناء خروج الطلاب والمعلمين إلى المدارس وعودتهم منها، فيمكن حلّها بتأخير أو تقديم خروجهم للمدارس، ولا يخفى على الجميع بأنّ أولياء الأمور في المنزل موظفون في قطاعات مختلفة، ولا يستطيعون متابعة الأبناء في المنصة، بخلاف ما لو كانوا في الصف الدراسي، سيكونون مطمئنّين بأنّ المعلم يقوم بواجبه في التوجيه والتعليم.

وثمة طرف ثالث ينادي بحلٍّ وسط، بين مؤيّد للدراسة عن بعد، ومعترض عليها، إذ يقترح أن يكون شهر رمضان كلّه إجازة، ثم تستأنف الدراسة بعد العيد، أسوة ببقية موظفي القطاعات الأخرى، والسبب أنّ مدّة الدراسة خلال شهر رمضان ثلاثة أسابيع، يكون فيها استيعاب الطالب متدنّياً، وكذلك عطاء المعلم لن يكون بالنشاط المعهود، إذ يتحول النشاط الاجتماعي كلّه من النهار إلى الليل، ما يعني تأخر الجميع في الخلود إلى النوم، وعدم الاستيقاظ في وقت مبكر، وإن استيقظ في وقت مناسب، فسيكون مرهقاً؛ لأنه لم يأخذ كفايته من النوم، وسيكون الخمول والاسترخاء مصاحباً له بقية يومه.

من بين النداءات الثلاثة، أرى بأنّ النداء الثالث هو الأجدى والأنفع للطالب والمعلم وولي الأمر، فإجازة الطلاب سوف تخفّف الازدحام وتساعد في وصول الموظفين في يُسر وسهولة إلى مواقع أعمالهم، والأمر الثاني، في كلا الحالين، سيخسر الطالب دروسه؛ لعدم استيعابه لها، لكن بعد الإجازة سوف يعود وهو نشط بنَفَس جديد.

فالتعليم حالة من التفاعل بين المعلّم وتلميذه، ولا يكون ذلك إلّا إذا كان كلا الطرفين على استعداد تام للإرسال والاستقبال وسط ظروف مناسبة.