عصيدة التَوارتة أم عفوسَة القطافة؟!
ليعذرني القرّاء الكرام والناشر المبجل في هذه المرة إذا نوهتُ باسم أحدِ الأصدقاء في هذه الخاطرة. فها نحن على مشارف نهاية فصل الشتاء، وقد ذكر لنا قبيل فجر يوم أمس - الثلاثاء - أخونا أيمن أبو السعود أن أهله - زوجته - صنعت له طبق عفوسة دليلًا على حبها له. قلنا له: يا أخانا أيمن إذن أهدِ لنا شيئًا منها نجرب ونحكم هل عفوسة القطيفيين أم عصيدة أهل جزيرة تاروت أشهى وألذّ؟ فإن الله يحب الأصدقاء المتهَادين!
قبل أن أصدر حكمًا باسم من أكلوا، أستعيد بعض ذكريات عصيدة أمي رحمها الله ورحم أمهاتكم. كانت تحمر الطحين قبل يوم من صناعة العصيدة، تغري به أنوفنا وبطوننا ولا تضع فيه تمرًا. وعندما تصحو مبكرةً في اليوم التالي، نستبشر خيرًا بأن الإفطار أو وجبة الضحى عصيدة مع سمن بقر بلدي. ثم إذا انتهت منها عملت في وسط الصحن حفرة وملأَتها بالسمن، نأكلهَا دافئةً وتكفينا الطاقةُ المنبعثة منها جريًا ولعبًا مثل أحصنة ليومٍ كامل!
طبق العفوسة الذي أحضره أخونا أيمن كان ممزوجًا بالهيل المطحون والتمر والسمن، وربما قليل من المكسرات! أما كثافتها وقوامها فكان رائعًا، لا صلبةً ولا لينة. وفي النهاية كان الحكم اليوم لصالح أخينا أيمن وزوجته المكرمة فقد نالا درجةً كاملة «100%».
أطباق طعام وأكلات ابتدعها الإنسان آنذاك، اختفت أو شارفت على أن تختفي مع الجيل الماضي. هذه الأطباق حلت ضيفًا مكرمًا عند ولادة النساء وإفطارًا لعمّال النخل والعائلة كلها. استغنى النّاس عنها وبقيت في التراث والمناسبات وتُباع بأثمانٍ مرتفعة في المطاعم. لا أعرف إذا صناعتها عبرت إلى الجيل الحاضر أم لا؟ ربما لا! لأن في هذه الآونة، أغلب الناس يأكل وهو يطير، أو يأكل وهو يجري، فلا أحد يصبر على تجهيز وإعداد أكلةٍ تستغرق جهدًا ووقتًا!
وفائدة أخرى هي إهداء الطعام! عادة بقي منها القليل القليل، بينما قبل سنوات كانت عادة تهادي أطباق الطعام في المناسبات معهودة مثل شهر رمضان وفي حال كانت الوجبة استثنائية. عنه ﷺ: - لأبي ذر وهو يعظه -: أطعم طعامكَ من تحبه في الله، وكل طعامَ من يحبكَ في الله عزّ وجل!
واجبٌ عليّ قبل أن أستقيلَ من منصة القضاء أن أدعو: كل شتاءٍ وأنتم بخير؛ من اشتراها ومن صنعها ومن أكلها ومن قرأ عن أكلة أخينا أيمن. ولمن لا يعرف التوارتَة والقطَافة، فهم أناس أرقّ من نسماتِ الربيع حين تهب من البحر الذي هم جيرانه؛ ديرتهم أحلى ديرة، جيرتهم أجمل جيرة، وأكلهم أشهى أكل. وما الفرق بينهم إلا كما الفرق بين مذاق أطباقهم الشهية.