المناعة الاجتماعية
الحصانة الاجتماعية امر بالغ الأهمية، للحفاظ على الاستقرار الداخلي، وحماية الشرائح الاجتماعية، من الملوثات الثقافية الوافدة، خصوصا وان عمليات غسيل الدماغ متواصلة على مدار الساعة، من خلال توظيف جميع الإمكانيات البشرية، وتسخير كافة الوسائل التقنية، فتارة عبر شعارات براقة لاستقطاب أصحاب الوعي ”السطحي“، وتارة أخرى بواسطة الابواق البشرية الساعية لتحقيق اختراقات حقيقية على الأرض.
حماية البيئة الاجتماعية من الثقافات ”المسمومة“، يستدعي إيجاد البرامج والوسائل اللازمة للوقوف في وجه تلك التيارات الثقافية، خصوصا وان عملية الصمود في وجه الثقافات ”الملوثة“ بحاجة إلى قدرات هائلة من جانب، والقدرة على توفير البدائل المناسبة من جانب اخر، فالرفض المستمر دون امتلاك الأدوات المناسبة بمثابة ”الحفر في الهواء“، وبالتالي فان الدخول في مواجهة التيارات الثقافية ”المسمومة“، يتطلب إيجاد الحلول المناسبة، وكذلك امتلاك القدرة على خلق بيئة قادرة على الاعتزاز بثقافتها، في وجه التيارات المغلفة بالشعارات البراقة.
الاستعداد لتحمل التبعات المترتبة على التحركات الجادة لتوفير المناعة الاجتماعية، خطوة أساسية قبل الشروع في المشروع الاجتماعي الشامل، خصوصا وان التراجع أو التوقف في منتصف الطريق، يترك تداعيات سلبية على الصعيد الاجتماعي، مما يعطي الفرصة للثقافات المسمومة للاستقرار في العقول، وبالتالي فان التحركات على مختلف الجهات يفرض القيام بالادوار المتعددة، للحصول على النتائج المرجوة، لاسيما وان تحصين البيئة الاجتماعية خطوة أساسية، للانخراط في المشروع النهضوي الشامل.
الوقوف على الثغرات في البيئة الاجتماعية، عنصر أساسي لمحاولة سدها بطريقة مثالية، خصوصا وان تلك الثغرات تعتبر البوابة الرئيسية لدخول الثقافات الملوثة، لاسيما وان التيارات الثقافية ”الضارة“ تعمل على إيجاد الثغرات الصغيرة، للولوج من خلالها في صميم الثقافة الاجتماعية، حيث تعمد في المرحلة الأولى للتصالح مع الثقافة الاجتماعية السائدة، وبعدها تدخل في مرحلة التشكيك، ومحاولة بث الأفكار المسمومة في العقول، بهدف احداث انقلابات ثقافية كبرى على الصعيد الاجتماعي، مما يمهد الطريق لإزالة الكثير من المفاهيم السائدة، وإحلال ثقافات بديلة، باعتبارها السبيل لإنقاذ المجتمع من الواقع المعاش، والانتقال إلى الفضاء الواسع من المفاهيم المعاصرة، التي تسهم في الانتقال من مرحلة بائسة إلى أخرى أكثر اشراقا.
يصعب السيطرة على الثقافات الوافدة، أو اغلاق العقول باقفال ”حديدية“، نظرا لتوزع مشارب المفاهيم الثقافية في البيئة الاجتماعية، بيد ان العمل على حماية السواد الأعظم من الوسط الاجتماعي، خطوة أساسية لمواجهة التيارات الثقافية ”المسمومة“، خصوصا وان تغريد بعض الافراد خارج السرب ليس مدعاة للاستسلام، أو فتح الطريق امام تلك الثقافات للتمدد في جميع الاتجاهات، وبالتالي فان المسؤولية تفرض التحرك باتجاه حصر الأمور في الحدود الضيقة، من خلال وضع البرامج القادرة على تكريس الثقافة الاجتماعية، وعدم اتاحة المجال امام التيارات الملوثة للحصول على مكاسب جديدة، الامر الذي يصب في مصلحة البيئة الاجتماعية بالدرجة الأولى.
الاجتهادات الفكرية داخل البيئة الاجتماعية، ظاهرة صحية على المستوى الثقافي، خصوصا وانها تدخل ضمن سياق تطور الفكر الإنساني، والانتقال بالعقل البشري نحو المزيد من الرقي والتقدم، بيد ان إساءة استخدام تلك الاجتهادات لادخال مختلف الشرائح الاجتماعية في انفاق مظلمة، امر مرفوض ولا يدخل ضمن الاجتهادات الفكرية الصحية، فهذه التحركات تمثل خروجا عن المساحات المتاحة، والدخول في المناطق المحظورة، بمعنى اخر، فان محاولة تلميع بعض التحركات المشبوهة بعبارات ”جميلة“، بمثابة القفز على الحقائق، ومحاولة ”فاشلة“ في ممارسة الخداع على الجميع.
المناعة الاجتماعية عنصر أساسي في وضع الأمور في السياق الطبيعي، خصوصا وان سلب البيئة الاجتماعية من هويتها يدخلها في الطريق المجهول، فالمجتمع الذي يتخلى عن هويته الثقافية يتعرض للتشويه، ويفقد القدرة على تشكيل الذات على المدى البعيد.