هل النفط يوجد في بِرك تحت الأرض؟!
قبل أن نعرف نعم أم لا، إليك القارئ العزيز والقارئَة العزيزة هذه اللفتة: إذا كنت شابًّا أو شابة وتبحث عن متعةٍ في الحياة فإن المتعة الحقيقيّة هي في العلم والصنعة، لا في الكسلِ والنوم والبطالة. العلم لا يضمن المالَ والغنى لكنه وسيلة لذلك! وكم تمنيتُ على بعض الأصدقاء من الشباب أن يأخذ على عاتقه تسطير بعض الصفحات من سيرة المهندسين ”القدامى“ في القطيف - في النفطِ وغيره من أقسام الهندسة - وهم كثر! من المبهج جدًّا أن يقوم أحد المتطوعين بهذا العمل!
كنا ذات يوم في دورةٍ تدريبية تجمع أنماطًا من المهندسين - في النفط وفي غيره - وكان أحد الحاضرين يظنّ أن النفط يوجد في باطن الأرض في تجمعات تشبه بِرك الماء التي نشاهدها فوق سطح الأرض. كل ما يلزم هو عمل ثقب في هذه البركة وسحب النفط للأعلى!
في الواقع أن النفط لا يوجد في بِرك تحت الأرض إنما يوجد متفرقًا بين مسامات الصخور، في ثقوبٍ صغيرة جدًّا. كلما كبرت هذه الثقوب وامتدت مساحة حقل النفط وعظمت سماكةُ المكمن كبرت كمية النفط الموجودة فيه أو Oil in Place. هذه الثقوب الموجودة بين الصخور تسمى ”المسامية“ أو porosity وهي نسبة الفجوات أو الثقوب إلى باقي المادة الصخرية، ويرمز لها عادة ?.
أمّا ما يمكّن النفط من التجمع فهي خاصية أخرى تسمى ”النفاذية“ أو Permeability، ويرمز لها عادة K. هذه الخاصية تشكل مقدار الترابط والتواصل بين الثقوب الصخريّة ويمكن تحسين التواصل بين الثقوب والمسامات الصخرية عن طريق تكسيرها أو ضخ مواد تعمل على ذلك بحيث يتمكن النفط من التجمع متى ما وُجد بكميات تسمح لذلك. تقاس خاصية نفاذيّة السوائل بوحدة ”دارسي“ Darcy تكريمًا لمكتشفها العالم الفرنسي هنري دارسي.
خاصية أخرى تحدد كميات النفط تحت الأرض تسمى ”التشبع“ Saturation وتعني نسبة حجم السائل إلى حجم المسامات. فكلما زادت درجة تشبع النفط زادت كمياته في المكمن Reservoir. على سبيل المثال، إذا كانت نسبة تشبع الماء Sw تساوي 15% تبعًا لذلك تكون نسبة التشبع بالنفط، السائل والغاز «So+ Sg» تساوي 85%. ما يعني أن مجموع تشبع السوائل في وحدةٍ واحدة من المسامية هو Sg + So + Sw = 100%.
إذن، لا النفط ولا الماء ولا الغاز يوجد في أماكنَ مفتوحة تحت الأرض بل في شقوقٍ ومساماتٍ صغيرة في الصخور تحتاج إلى تقنيات معقدة أحيانًا من أجل تحسين وتشجيع المسامات الصخرية على التواصل بينها والسماح للسوائل بالجريان نحو سطح الأرض. وهذه نعمة من الله إذ لو كان غير ذلك لنتجَ عن إفراغ باطن الأرض من السوائل مشاكل جمّة!