آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

بيت جدّي

نجفيه حماده

في ذلك الحي القديم تحتضن البيوت بعضها بعضًا، كما تحتضن الأم طفلها، في جدرانه تُعزف معزوفة الزمن الجميل، وفي زواياه ذكريات رائعة تجعلنا نبتسم رغمًا عنا، نسمع صوت الديك فجرًا فنعود للنوم، وسرعان ما يمر الوقت لنشم رائحة الحليب المهيّل ونفزُّ من فراشنا لننزل على دعوة جدتي ”هلا يا خلف أبويي“، فما أجملك يا بيت جدي حينما تعصف بنا الحياة! لكسر توازنها نشم الطيبة في أركانه ونهرب إليه، ما زلنا نسمع أصوات الأطفال يلعبون حوله وكأن الزمان باقٍ بلا توقف، يُطرق الباب فجأة لنسمع صوت الجارة تسأل عن جدتي وأحوالها أو صغير الجيران يحمل ”نغصة“ لذيذة، ما زالت قلوب من حوله صافية كصفاء الزمن الجميل لن يبدله إتساع المدن ولا زخرفها، كل شيء فيه وحوله جميل ينقلنا من ضيق المشاعر إلى اتساعها لنعترف بأن الدنيا مازالت بخير بوجود ناسها الطيبين، وصوت المشاعر تعزف ألحانها دائماً حول أبوابه.

كبرنا وكبر معنا ذلك التعلق فيه، الدنيا بحر كبير وبيت جدي هو ذاك المرسى المريح لشحن أرواحنا عنفواناً وآمالاً لنجمع شتات بعثرة المدن وظلامها،

سيُهدم بيت جدي وسيهدم معه ذلك المرسى الجميل، دام ظلك جدتي أينما تحلّين سيحلُّ مرساكِ، ودامت بركاتك يا بعد كل بيت، يا لمة، يا ضحكة، يا سوالف دافية، يا عطر المَحنّة ونبض طِيبة يا عواطف زاكية.

دام ظل الأجداد وزمنه وروحه الأصيلة ودام الحنان في زواياه، ودامت السعادة عامرة بمن فيه ودمتم بالخيرات والمسرات.