رضا النّاس غاية حمقاء!
شهر رجب يدق البابَ يستأذن الدخول وفي تراثنا شاعَ المثل: بعض النّاس لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب! حتى هذا الجو الجميل الذي نعيشه في هذه الأيام؛ غيوم متلبدة، سماء ماطرة، شمس محتجبة، وحرارة معتدلة، تجد من لا يطرب له ويقول: هذا الطقس لا يعجبني، في دمهم الاختلاف، فماذا تصنع؟ إن فرحتَ ما فرحوا، وإن حزنتَ ما حزنوا!
الرسالة من الفكرة: لا يساورك الهمّ إذا لم تستطع إرضاءَ كلّ الناس، ما عليكَ إلا أن تعطيهم المحبة وتبذل ما في وسعك، فإن رضوا فذلك من أجمل الأمور وإن لم يرضوا كلهم - ولن يرضوا - فأنت معذور. أبسط أنماط الإختلاف اكتب مقالًا أو ابنِ بيتًا أو اجمع أصدقاء على وليمة، سوف ترى الإختلاف بأشكالٍ متعددة. واحد من عشرة، كلمة أو جملة واحدة لا يطيقها في مقالتك وشيئًا واحدًا لا يعجبه في بناء دارك وأكلةً لا يستطعمها من زادك. هذه سنة الاختلاف بأن لا يتوافق النّاس في كلّ شيء فلا نضيّع أعمارنا في إرضاء - كلّ - من حولنا.
يقول الإمام عليّ بن أبي طالب : ”رضا الناس غاية لا تدرك، فتحرّ الخيرَ بجهدك، ولا تبالِ بسخط من يرضيه الباطل“. من سنن الكون أن الله خلقنا مختلفين في الجسمِ والفكرِ والذوق، ولو شاء لجَمعنا كلنا على نوعٍ واحد ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ . في كل الأمور تجد وفرةً من المختلفين ولا يمكن تحصيل رضاهم.
فإذا كان رضا الناس غاية لا تُدرك، فإن محبتهم والتودد لهم غاية لا ”تُترك“! حذار أن نجد أنفسنا عراةً من محبة النّاس بحجة عدم رضاهم، يكفي إرضاء العقلاء فهم ”النّاس“ الذين رضاهم مسكونٌ في رضا الله. عنه ﷺ: قال الله تعالى: ”حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ“.
من وصية الإمام علي لابنه الحسن -: ”فما طلابك لقومٍ إن كنتَ عالمًا عابوك، وإن كنت جاهلًا لم يرشِدوك، وإن طلبتَ العلمَ قالوا: متكلف متعمق، وإن تركتَ طلب العلمَ قالوا: عاجز غبيّ، وإن تحققتَ لعبادة ربك قالوا متصنع مراء، وإن لزمتَ الصمتَ قالوا: أَلكن، وإن نطقتَ قالوا: مهذار، وإن أنفقتَ قالوا: مسرف، وإن اقتصدتَ قالوا: بخيل، وإن احتجتَ إلى ما في أيديهم صارموك وذمّوك، وإن لم تعتدّ بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك“!