زوايا أسرية 24
اتخذت القرار وكفى
غاب الوعي وآداب الحوار
ساد التمرد والرقص على الجراح
في الاجتماع العائلي الأسبوعي تَحلق الجميع على مائدة العشاء يُحدثهم الأب عن مسيرة يومه الطويل الذي أمضاه في عمله الخاص بين المصنع والعمال والاجتماعات المتواصلة حتى المساء سعياً منه لتحقيق حلم أبيه وما ورثه عنه، ليصبح اسماً علماً وشركته من كبرى الشركات التي يُشار لها بالبنان في الوطن، وباب رزقٍ لكثيرٍ من العوائل التي يعمل أبنائُهم فيها وما يتمناه لهم من خير، ويسعى لتحقيق آمالهم المستقبلية بما يفيض عليهم من توجيه وحسن تعامل وتدريب وقروض مالية ومساعدات للمقبلين على الزواج، وهم في المقابل مخلصون لعملهم ويمنحون من وقتهم لصالح العمل، هذا ما جعله يتمسك بهم وينعم بما أنعم الله عليه، هنا قاطعته الزوجة بينما كان مسترسلاً في حديثه وانهالت عليه بالأسئلة وهي شاحبة الوجه دون آداب للحوار بنبرة حادة وبصوت مرتفع كعادتها في حديثها الدائم بصيغة النهي والأمر، توقف عن هذا الهدر من العطاء والصرف على الآخرين دون حساب عوضاً أن تترك المال لأبنائنا فهم مسؤوليتك الأولى فلا تزهو بما تعطي وإن كان قصدك خيراً فلن تجد من أولئك العاملين غير الكلام المعسول للحصول على ألكثير من المال.
أسكتها بقوله من أين جئت بهذا؟! أترثيني وأنا على قيد الحياة وأنا من يعطي وأنت تمنعين الخير؟! لماذا هذا الاستعلاء والزهو والكِبر الدائم على الآخرين؟ وأنت تعلمين أن الحياة ومتعها فانية تذكري قول الباري عز وجل:
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ 41 وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ﴾ [1]
فالظنون في نوايا الآخرين من الآثام الكبرى لقوله تعالى:
﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [2]
كما أنهم على النقيض من ذلك، فاتقي الله في نفسك وأبنائك واحمدي على ما أنت عليه، ثم عقبت من جديد وكأن الحديث لا يعنيها بقولها: أنت تصرف وابنك يوقعنا ويسعى للنزول بنا إلى الحضيض، في ماذا يوقعنا؟ ولماذا لم يحضر إلى هذا الوقت وهو خرج من الشركة قبل خروجي بساعة؟ مرة أخرى تُسكت الجميع بقولها عليكم الانتظار بعد الانتهاء من الأكل ابقوا مجتمعين فهناك حديث مهم يجب معرفته وليس هناك مجال للتراجع إني اتخذت القرار وكفى.
عم الصمت قليلاً وكثرت النظرات وأصبح الوضع كدراً ومتوتراً جداً، فأرتفع صوت الزوج على غير المعتاد ناهضاً من مكانه فاقداً رشده ملقياً ما في يده من شراب وهو الحكيم الدائم في التصرفات والمواقف وكثيراً ما يضع الأعذار لسلوكيات زوجته ويتحملها مع العلم تُعد هي الزوجة الثانية وبطلب واصرار أن تفصح عن الموضوع، إلا أنها امتنعت معتقدةً أن الأمور ستسير طوع بنانها وقيد إرادتها ورهن إشارتها، تأمر فيستجاب لها عليكم الانتظار بعد الانتهاء من العشاء سأخبركم: فأصبح الوضع مربكاً لشعورهم بالوجل وقليل من الخوف والظنون بأن هناك مكروه ما حدث لأحد أفراد العائلة فتوقف الجميع عن الأكل وكثُر الإلحاح على الأم بصوت مرتفع ونبرة مزعجة
أين ابنك فلان؟
لماذا لم يحضر على العادة وهو أول الحضور؟
ماذا هناك؟
ماذا حدث؟
هل من مكروه لأحد أفراد العائلة؟
هل فُقد شيء ثمين؟
هل من خبر مفرح؟
الريبة والظنون والشك والقلق جعلت الأب مضطرب المزاج لم يتمالك نفسه فأدار بوجهه إلى الأبناء لعله يقرأ شيئاً ما في وجوههم، إلا أنه رأى الجميع مستنكرين وبابتسامة مريبة، أخبرتهم وهي متوعدة للجميع بلهجة قاسية بعدم القبول ولن يتم الأمر مهما حدث ولن تقبل التدخل والوساطة، أسرع الزوج متسائلاً ماذا تقصدين أفضي ببيان واضح نحن هنا وليس بيننا غريب أثرتي الظنون والخوف والريبة حتى حرمتنا الشعور باجتماعنا العائلي هذه الليلة فما هو الأمر؟ هذا سلوك لن أغفره لك أفصحي ولا تؤجلي أكثر، لقد أدميتِ قلبي وجعلتني أتصبب عرقاً والحرارة تلهب جسدي فتحدثي حتى لا أخرج من طوري.
بهذه الكلمات خاطبها وبصوت مرتفع وهو يهم إلى الخروج متوعدها أمام الجميع لن يعود وسيبقى في بيته الآخر مع زوجته الأولى.
قاطعته كعادتها وبخطوات متسارعة اقتربت منه وهي تقول: عد إلى المائدة وسأخبركم جميعا على أن تعدني أن الأمر لن يحدث ولن تتم الموافقة عليه ولازال الجميع في حالة ذهول.
عاد الزوج مستعيذاً من الشيطان طالباً منها الإسراع في الحديث فقالت:
أنا وزوجتك الأولى من أُسر أنعم الله عليهم بالعلم والجاه والمال والجمال والأبناء، وأنت كذلك في ذات المكانة والمنصب فنحن متوافقين وأبنائنا هم من خيرة الناس وأعلاهم رفعة ومكانة، لذلك عليكم جميعا مساندتي والوقوف معي في رفض ما سأخبركم به.
تحدثي يهديك الله ولك الوعود كلها إن كنت محقة في طلبك دون مقدمات أخبرينا: قالت وبصوت خشن وبأدوات النفي والنهي والأوامر تسبق الكلمات
*لن أقبل وأنتم كذلك ستكونون معي في ذات الموقف
* أي موقف وماذا تقصدين بعدم قبولك؟
*غير مسموح التنازل وعليكم مساندتي
*عن ماذا التنازل وماهي المساندة المطلوبة؟
*ليس هناك رأي آخر يحتمل التفكير
* ما هو الرأي الذي لا يحتمل التفكير وأنت إلى هذا الوقت لم تفصحي هداك الله؟
*لا حوار في الموضوع
* هل يعقل ترفضين الحوار ونحن لا نعلم عن الموضوع والأسباب الحقيقية له؟
*ما يطلبه ابنك هو انعدام وتقليل من مكانتنا
* لماذا تنعدم مكانتنا؟ هل فعل أمراً مشيناً يخل بالشرف والدين؟
*لم يفكر فيمن يدخله وينتسب إلى العائلة
* هل تقصدين الزواج من عائلة فقيرة المال؟
* كيف علمت بذلك؟
*سجلوا جميعاً إن كان مصراً على أن يخيم الظلام في منزلنا ويفعل ما في خلده لن أحضر زواجه ولن يحصل على مباركتي أبداً، وعليكم أن تُبذلوا قُصارى جهدكم للحفاظ على ما أنتم فيه من رفعة وعدم التناغم والوئام معه إلا بعد ان يتم إغلاق هذا التوجه اليوم وليس غدا.
هنا رُفع الغطاء عن أصل الخلاف بعد أن اكتنفه الظلام والغموض والمشادات الكلامية التي اتسعت دائرتها وهم على مائدة العشاء بعد أن كانت تلفظ عبارات غير متسقة وبطريقتها المعتادة بين نهياً وأمراً ونفياً تشم منه رائحة الكراهية والأنا المتضخمة وهي من سماتها وعادتها السيئة
تغير المشهد وبدأ الجميع يلتقط أنفاسه، وبدأت الصورة تتضح وتُعرف ويحلل سبب انزعاج الأم لطلب ابنها الزواج من امرأة خارج إطار العائلة، لم تكن هذه المرة الأولى التي أحدثت إرباكاً ونزعة اندفاعية لقضية عائلية أفضت بطلاق احدى بناتها وهي في مقتبل العمر بأعذار واهية، إن زوجك جعل منك امرأة محجبة متخلفة وأنزلك من على عرشك ومقامك العائلي وحرمك من العمل والسفر بالإنجاب المتواصل والشح في المال واعتمادك على دعم الأسرة، كما جعل منك امرأة غير قادرة على النهوض بنفسك - مبعدة الأم عن نفسها أي مسؤولية - وبعيدا عن السبب والنتيجة التي تُغلفها مبررات بقولها: حين تمت موافقتي على زواج ابنتي كان ذلك بدافع..
- هي ابنتي الكبرى وأحببت أن أفرح بها
- كان شاب في مقتبل العمر ويحمل شهادة فتم غض الطرف عن وضعة المالي ونسبه العائلي
- لم أكن أتجاوز دور وموافقة الأب
- إصرار البنت على الزواج وتعاطفي معها
- لم أكن على علم بمنطقه وفكره العقدي الذي يعيشه خارج الزمن والواقع
- كنت أبني أحلاماً مستقبلية تعيشها ابنتي في ذات المستوى
لم يكن موضوعنا في هذا المقام الاستطراد ودراسة وتحليل مسيرة وشخصية البنت والنهايات التي أحاطت بها ونبش الماضي الذي كان للأم دوراً ونفوذاً هادماً فكان
الطلاق هو المصير لصمت ابنتها وضعف شخصيتها وصغر سنها وجهلها بالحياة الزوجية ودور العائلة السلبي، ولولا قدرة ونفوذ الأخصائية النفسية وامكانياتها التخصصية وثقة الناس بجهة عملها الذي جعل من دورها ايجابي والمساهمة في اعتاق البنت من الضيق والاكتئاب والشعور بالألم الجسدي والنفسي، واغلاق ملف الماضي واعادة التفكير في الفضاء الرحب وزرع الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات الذاتية.
ها هي اليوم تعود تمارس ذات الدور على ابنها الأكبر بلغة مقفلة وأخرى منفتحة لا تقبل التأويل والتلميح، بل هو نوع من القمع والقهر المتسلط والسقوط الأخلاقي المتكرر بوصف مزايا الحجاب والعفة والقيم الإلهية بالتخلف وتشويه لمكانة المرأة في هذا العصر، متلاعبة بالمصطلحات والمفاهيم السائدة تاركة للجهل والغباء المطلق الاندفاع دون وعي لدور المرأة الواقعي في الحياة المعاصرة مع الاحتفاظ بالكرامة والشرف والفضائل التي لن يكون الحجاب والفقر المالي والاسم العائلي يوماً عقبةً حيال التقدم والعطاء على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي وحتى على الصعيد الوطني، فليس هناك مبررٌ للأم أن تمارس الاستنكار وسوء التعبير والسلوك مع أحد افراد العائلة لذات الأسباب المثيرة للأسى والمحبطة للمشاعر التي كونت مفارقة حادة بين الواقع والكابوس الذي شكل المعاناة وجعل من ابنتها تتجرع مرارة الألم الذي لم يكن له تفسيراً أو تأويلاً أو تبريراً إلى اليوم غير التلاعب بالمشاعر ووضع الحواجز التي لازالت محل خلاف في عنوانها الأولي، وإن كانت تحمل قدراً كبيراً من آراء ونظريات التوافق الزوجي التي يعدها البعض ناهضة حسب طبيعة المجتمعات، هناك من يوسع هذه الدائرة أو يجعلها في إطارها القيمي والواقعي مع معطيات أخلاقية، صحية - مالية - مهنية - عائلية.
لم ولن يكون الطريق معبداً ولا منطقياً حتى تحصلين على مباركة الجميع في قبول ما تطرحين دون الالتفات إلى جانب مطلب ابنك، وهو المعني في الدرجة الأولى فيمن يختار شريكة حياته المستقبلية ومعارضاتك ونفيك وأوامرك هي من النقاط المهجورة في هذا العصر على الفتاة، فكيف تمارسينها على الابن وأنت ترفعين عنوان العلم والتحضر وحرية الرأي الذي هو شماعتك في كل سلوك ومحفل؟! وكيف تجبرينه على اختيارك لشريكة حياته دون رضاه، وهو الجامعي والمثقف وله اسمه ووزنه المجتمعي والمالي كما يُعد من المثقفين ومَن لهم أيادي بيضاء في العمل الاجتماعي وتدرج حتى أصبح المدير التنفيذي للشركة.
تذكري جيداً أن من في عمره أنجب الأبناء وهو ناهز الثلاثين وأكبر أبنائك ويُدير أكثر من ثلاثمائة عاملاً وعاملة منذ خمس سنوات، فرفضك ونهيك وأمرك دون أن يكون هناك ضوابط ومراعات أخلاقية للكلمات والتفكير بين الدعوة للحوار من عدمه وثقلها على النفس من الناحية المعنوية، فالمقترح لمناقشة فكرة الزواج ضعي الخطوط العريضة بعيداً عن الحدس والظنون والمجادلة وصيغة الأمر والنهي وتذكري بأن ابنك يؤمن بمبدأ قائم على دعامتين:
مبدأ ديني وهو خلاف إيمانك وتوجهك فيمن تكون مناسبة له بوصفك لبنة أختك متحضرة وطبيبة وجميلة وليست ممن يعيشون في الدوائر المغلقة ومن أسرة عندها امكانيات مالية، وهو يميل عكس نظرتك للآخرين بأن الناس متساوون ولم يختاروا أسمائهم ولا ألوانهم ولا موطن ولادتهم ولا آبائهم، وحساباتك بمنظور رغبتك في ابنة أختك هو العامل المنفر.
يؤمن أن هذه حياته الخاصة وله أن يختار من تكون شريكة حياته وأم لأبنائه مع ملاحظة أنه يعرفها عن قرب وهي تعمل في الشركة قبله ويده اليمنى في الإدارة المالية للشركة، وبينهما استحسان لقوة شخصيتها ودماثة خلقها ومكانتها العلمية والادارية.
وتذكري جيدا أنك ترغبين أن تسير السفينة عكس التيار، الذي لم يعد يمارسه أحد في هذا العصر إلا وكان الندم والحسرة لمستقبل مجهول المصير، وأنا موافق لمعرفتي بمن اختارها ومخالف لك في هذا التوجه ولن أتحمل أعباء ما سيحدث مستقبلا لا سيما أن الجميع يوجه أصابع الاتهام لك في ما يخص طلاق ابنتنا... مع إيماني بأهمية وأحقية المناقشة للأفكار التي ترغبين بطرحها مع بيان السلبيات والايجابيات المطلوب منه أن يتجنبها أو يقوم بإلغائها واتركي الرأي يختمر ويحدد من يختار هو وليس أنت، ويُقسم الحوار على فكرتين:
الفكرة الأولى: أن نقف عند حدود مسؤوليتنا والاجتهاد في التوجيه والنصح كآباء وماذا يقول العقل والمنطق لتحقيق النمو المتزن في مراحل البناء للأبناء واعدادهم على مجابهة الحياة في اختيار الزوجة، وماذا يقول الشارع المقدس في هذا الصدد: رؤي عن الرسول الاكرم ﷺ: تنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين [3]
”وفيما روي عن الرسول ﷺ: تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم“ [4]
”وعنه ﷺ: تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن“ [5]
وأنا اقف شخصيا مع هذا الرأي لما لإبننا من رجاحة عقلٍ وفكرٍ ونضج منهجه في الحياة أن يُترك له الاختيار ضمن المعايير الشرعية وليست مقاسات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، هذه المفارقات والتوجهات يجب أن تفهمينها أنت.
الفكرة الثانية: اعلمي أن الحياة ليست ثابتة ومن يسعى أن يتحكم في الآخرين قد يكون في مرحلة من هو الأقوى، وفي مرحلة أخرى يفقد زمام الأمور ويحاسبه من هو أقوى.
إن الطريق الايجابي للوصول لمبتغى الإنسان يحتاج للحوار والمناقشة لا الانطلاق من قواعد جدلية ومعاهدات وطلب الوعود، بل بأسلوب واقعي قابل للتحقيق، وإن كان فيه من الثغرات ما يُعكر صفو الرأي، فكُوني محقة وصادقة وحاملة للمسؤولية في كل اجابة، مع علمي أنك لن تلتزمين بكل الخطوات والنصائح للاضطراب الداخلي في نفسك، لشعورك الدائم والمؤلم للنفس مع طول الحياة التي عشناها مع بعضنا، لا زالت ترين أنك فوق الآخرين وأنك على قمة الجبل والناس هم ما دون ذلك، فعليه إذا تزوج ابنت اختك التي هي في ذات المستوى أو اقل قليلاً وبسلوكك هذا تعتقدين أنك ستفوزين مع علمك أن ممارسة هذا الأسلوب والسلوك سيبعد ك كثيراً عن نيل الهدف المنشود بالصورة المناسبة، ولن يُسكن من روعك ولن تحصدين شيئاً غير النفور وازدياد الخصام وستغادر البيت الألفة والطمأنينة ويعم التصلب في المواقف، وقد نفقد بقاء ابننا في دائرة العائلة والعمل.
هنا لابد وأن نشير إلى أن حالتها لم تعد في أحسن حال، فأصبحت تُداهمها كثرة التوتر والاضطراب الذي يزعجها ويعجزها تجاهل زوجها وأبنائها وباقي أفراد العائلة بقولها: لن يتغير شيء ولن أقبل بتلك المرأة أن تكون زوجة لابني أو من في مستواها الدخول في عائلتنا فأنا ابنة العائلة وزوجة فلان كيف أقف أما م أُناس هم أقل شأناً وجاهاً ومالاً واسماً وجمالاً؟ لماذا لا يقبل الزواج من ابنت اختي؟ فهل تتصورون أن يتزوج موظفته وتقف هي وعائلتها معي على المنصة يرفعون الاسم معاً حتى أخذت تكرر لن يتم ذلك إلا بعد أن أصبح تحت التراب.
يقول زوجها:
اقتربت منها أكثر وانحنيت إليها قليلاً فشعرت بالخوف وتنحت وهي تصرخ مضطربة الإحساس فأشفقت عليها أكثر وأنا أُحاول أن ألامسها وأربت على كتفها، وهي تقول لست في حاجة لسماع صوتكم أو من يتعاطف معي مع عبارات مخجلة يندى لها الجبين تشم فيها رائحة الكراهية النفادة واضطراب الشخصية.
كلما مررت بمفردة وجدت نفسك بين تساؤل، هل يُعقل ذلك؟
من يقول: هناك من يعيش في هذا العصر كما تحكيه هذه الدراما؟
هل لازال هناك نسبة من الناس تمارس هذا الدور على الفتاة دون الشاب ولماذا؟
هل يعجز زوجها عن نهيها، مع علمك هو ذو الشأن الكبير في عالم المال والأعمال؟
هل يقودك تحليل شخصية الزوج وعدم تصلبه في المواقف مع علمك لما يتمتع به من عمق الوعي والنضج والرقي للقيم والمبادئ التي يؤمن بها ودماثة أخلاقه ومعرفته بمعاناة زوجته المضطربة ولنشأتها في أسرة مختلفة عن بيئتنا وتقاليدنا وأعرافنا وحتى توجهنا الديني، وهي من يطلق عليها من الطبقة «البرجوازية» وحبها لبنت أختها جعلها ترسم صورة مثالية في مخيلتها تسبب طلب ابنها بالزواج من أخرى صدمة لم تتحملها مع علمها أن فكر وسلوك ابنها مختلف عنها نهائيا؟
هل تتمكن أن تفرض رأيها وتقنع ابنها وزوجها الذي يترفع عن فرض الواقع على زوجته وفي نهاية الأمر لن يحدث إلا ما يرغب ابنهما في تحقيقه؟
ولكي نلقي الضوء أكثر ونبني نسيج في الحوار والتواصل الأسري، نحتاج التأكيد على أهمية الموعظة للبناء الروحي والسلوكي للحد من الاضطراب النفسي نتساءل بتجرد من القيود ونسأل..
هل تودين دخول جهة استشارية متخصصة محايدة لمعالجة الحنق والنزاع بصورة وعناية فائقة بعيداً عن الإدلال والغضب والهفوات والاضطراب أحيانا الذي يودي بكثير من الناس إلى تفسير مُخالف للواقع، فيرتكبون الحماقات لاعتدادهم بالنفس وعدم قدرتهم على ضبط الانفعالات ملحقين الأذى بأنفسهم قبل الآخرين؟
محادثة من القلب إلى القلب، ليست الحالة غير معهوده في كثير من الوطن العربي والإسلامي لاسيما على الفتاة، ولا يمكننا أن نطلق عليها ظاهرة في هذا العصر، غير أن موضوعنا يحاكي الثمانينات الميلادية، ونعتقد جازمين هناك فئة من الأسر لازالت ترفض الزواج من خارج دائرتها الأولى والثانية وبالأخص على صعيد الفتاة بأعذار تراها واقعية على صعيد تكافؤ النسب والمكانة الاجتماعية والمالية والمعتقد، وحالتنا هي ليست عصية على الحل مع شعور الجميع بانعدام الكثير من النقاط المشتركة بين أفراد العائلة وتوجهات الأم ذات الشخصية الحدية
عند الانغماس في قراءة حالة الأم وسيرتها الشخصية المضطربة والحدية في التعامل والتعالي على الآخرين بقوة المال والجاه والصوت وفرض الرأي خوفاً على مكانة عائلتها ولغربتها عن موطنها الأصلي، أفقدها الكثير من بناء العلاقات الاجتماعية والشعور بالأمان والخوف من الموت والنقص العاطفي والشعور الدائم بالحزن والقلق وشدة الغضب والتلويح بتهديد وحب السيطرة على ما هي فيه من خير وجاه ومكانة عائلية، وأحياناً يصل إلى الإيذاء للنفس باندفاعيه زائدة عن الحد قبل إيذاء الآخرين، بسبب عدم قدرتها على تنظيم عواطفها النفسية اتجاه الأسرة.
لذا اتخذ ت الاخصائية النفسية مسارات أولية تحليلية لعلاجها، وتم على ضوئها جمع وتحليل السلوكيات في سياق القيم والاهتمامات باعتبارها تحدد عناصر واطار المشكلات وتكوين منظورها الفكري منفرداً أو مع تحديد الأسباب والاضطرابات العقلية والحياتية والبيئية والعوامل الوراثية والاضطرابات الدماغية التي تعمل على تنظيم العاطفة والاندفاعية والعدوانية وتحدد اضطراب الشخصية الحدية، فندرك أهمية علاج ما تعاني منه قبل الخوض معها في الموضوعات الأخرى والسبب في تشخيصها والدعوة لعلاجها عدم قدرتها على الاستقرار في كل ما يحيط بها من علاقات ثنائية أو عامة والتغيير الدائم في حالتها المزاجية وسلوكياتها اليومية وأحياناً كثيرة، ينتابها الإحساس المتردد حول معرفة من أكون؟ كما أنه يسري حتى على الأمور الصغيرة والهوايات التي تحبها وتكرهها، على الرغم من ذلك هناك علاج وحلول لذا الجهات المتخصصة في علم النفس السلوكي والدوائي، وفي حال تركه واهماله وعدم القدرة على اقناعها بالعلاج وتهدئتها يؤذي إلى تقلب في المزاج العاطفي واضطراب في العلاقة التي تدفع بها إلى عمل أمور غير محمودة العواقب وفيها من التهور والتصرفات ما يدفها للانفصال عن الواقع وأحياناً تُشعر صاحبها بالخجل والذنب.
ولمعالجة ذلك تحتاج تشخيص دقيق لذا الجهات المتخصصة فقط، وقد يستغرق وقتاً طويلاً وإن كان هو أخف في مرحلته الأولى قبل أن يصل إلى الاكتئاب العميق أوثناني القطب والقلق الدائم والكرب ما بعد الصدمة، ذلك يحتاج للمبادرة في العلاج، فلا تجعل ممن يعاني يصل إلى مرحلة الإحباط خصوصاً وأن المنظورة في مقالتنا أصبحت في الخمسين من عمرها، وفي هذه الحالة ينخفض مستوى الحالة الحدية التي تعاني منها فيسهل الانقياد للتقويم الشخصي والعلاج الدوائي واعادة البناء السلوكي المعرفي.
إن كنت تعد التباين في التوجهات داخل أسرتك معضلة وأنهم يقفون حجر عثرة في طريق سعادتك لرؤيتهم القاصرة وغرورهم وتعاليهم على الآخرين، وتصنيفهم للناس برؤية مادية ونسب عائلي ومكانة اجتماعية وتوجه عقدي لا تصب في مصلحتك الشخصية، جعلك تكون في حالة صمت لبرهة من الزمن دون التصلب والخروج عن دائرة الآداب والأخلاق وحسن التعامل مع العائلة واتخاذك جانب الحذر على الرغم من الشعور بشيءٍ من القلق وضغط الوقت الذي كلما طال تعمقه أحدث ثُلماً في تفكيرك وأبعدك عن المسار الإيجابي، وكنت تقول بصوت غير مسموع لماذا مطلوب مني أن أعيش حياة مجبراً عليها وأكرر تجربة رضوخ اختي لرأي أمي بعنوان الطاعة؟ وأنا أعلم مع مرور الوقت نقلاً عن المعالج النفسي لحالة والدتي قد تحدث الفرق وتنقلني من المسار السلبي إلى المسار الإيجابي، لكنني لازلت في مرحلة التفكير وحلم اليقظة الذي ساعدني على أن أُحدث نفسي وأُهدئها لشعوري أنني أحرزت تقدماً بعيداً عن التشاؤم والإحباط والأفكار المشبعة بالمنغصات اليومية المزعجة.
فهل تساؤلي مشروع عن طول تلك المفاوضات التي هي رهينة بإقناع والدتي عن طريق الجلسات مع المعالج النفسي جعلني أتوجه للمختصين بهذه الرسالة متسائلاً ومجيباً
هل التفكير بهذه الطريقة يسهم بحل المشكلة؟
أيحق لي تجاهل وضع أمي للتحقيق حلمي؟
أأنت مما يدعون إلى تسوية الأمر بحلول تقنع الجميع؟
هل ترى طاعة الوالدين في هذا الباب واجبة؟
نعم في زاوية بعدها الديني المتوافق مع العقل والمنطق، لكن وللأسف منظار عائلتي التعالي على الآخرين برؤية مادية وشكليات اجتماعية نسبية جعلنا نعيش في دوائر مغلقة وخلافاً لذلك كنت أحارب تلك المواقف مذ عدت من الخارج بعد اكمال دراستي العليا، ولي رؤية مختلفة في العلاقات مع الناس، وهذا أحد أسباب نجاحي في العمل وتكبير الشركة التي تضاعف عدد المتعاملين معها.
نعم أبي له كذلك توجه مختلف في الكرم والعطاء وحسن التعامل مع الموظفين بعيداً عن رؤية أمي وبعض أفراد العائلة، فهو رجل أعمال يعيش مع الناس ولا أنكر تعامله في كثيرٍ من الموقف وفق رؤيته التجارية وله من الالتزامات الأخلاقية الدينية ما يفوق توجهات أمي وعائلتي وأهلها.
شعورك واجتهادك ومرونتك وتعاملك برقي الأخلاق من أجل ايجاد حلول لما أنت فيه بعيداً عن حاجتك للتعاطف وحاجتك لإنشاء توازن بين العاطفة والحزم لضعف التفاوض المُجدي لمرض والدتك وتصلب بعض أفراد العائلة ومعرفتك بشخصياتهم وتعاليهم على الآخرين وضعك في زاوية اتخاد القرار والمضي قدماً وفق خارطة واضحة تحمل مبادى وقيم ومفاتيح لا تتعدى حدود الأخلاق والتقدير والإحترام التي تكسب بها رضا والدتك والآخرين، وليس المقصود هنا التنازل دون وجه حق عما تؤمن به.
- عدم قطع التواصل مع والدتك وأنت تعلم بُرها فضيلة عظيمة وطاعة كبرى وفريضة مأمور بها وهي باب أُمرت به في قول تعلى ﴿فلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لَّهُمَا قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذُّلِّ من الرحمة وقل رَّبِّ ارحمهما كما رَبَّياني صغيرًا﴾ [6]
- ممارسة الصبر واختيار الوقت المناسب لفتح ملف الحوار مع أحد أفراد العائلة سيمنعهم من خوض الصراعات والاختلافات والممارسات الاستفزازية معك التي تضمن على أثرها من سيكون في صفك ونحن نفضل أن يكون الحوار مقتصراً في هذه المرحلة مع الأب لاسيما في فترة علاج الأم
- تجنب الصراع واختلاق المشكلات مع أي توجه في العائلة الكبرى في هذه الفترة
- واصل عملك في الشركة دون تقصير مع ملاحظة تجميد التواصل الموحي بطلب الزواج من عدمه أو التلميح برفض أمك لمن ترغب الزواج منها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
- كن مستعداً للتغيرات وكن مرناً ضمن اطار هدفك، فالمرأة الصالحة لا ينبغي للرجل تركها أو التنازل عنها وليس هناك ولاية الأبوين على الشاب البالغ، الحر، العاقل فيمن يختار شريكة حياته ولا رأياً في المعروف إلا من حيث أمر الله
روي عن الامام علي ابن أبي طالب عن الرسول الأكرم ﷺ: ”وقال للآخرين: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف“ [7]
إن لم يكن هناك مبررات لموانع دينية أخلاقية تحول دون الاقتران بها، وتحقيق سعادتك هو من حقك وإن كان هناك زيادة في الإحسان والمعروف هو السعي لإقناعهما بمن تحب الزواج منها لسعادتك وإزالة هواجسهما وتخوفهما ونظرتهما لاسيما وإن والدتك هي في حالة علاج ويتم التواصل معها بالمشورة عبر المعالج النفسي
- من البديهي جوابك يجب أن يكون محاطاً بعبارات تتحاشى الوقوع في الوعود أو نفي الاستحسان في تغيير المعاملة العامة المرتبطة بالعمل مع من ترغب الزواج منها، ولعلي أعد ذلك إنداراً مبكراً لحين تسوية الأمر مع العائلة ووالدتك، فلا تخاطر قبل أن ينقلك المعالج النفسي إلى مرحلة السماح للكشف عن استمرار رغبتك في الاقتران بتلك الفتاة
هل بقيت لا نافيه؟ والأوامر والنواهي باقيه؟
هل أنت بحاجة لمزيد من المعلومات لحل الأزمة أو نفي أن تكون أزمة؟
هل اجابتك أن يسعى حتى ينجح في تسوية وجهات النظر مع العائلة ووالدته؟
هل تعد أن الأمر ميؤوس منه؟
هل طاعتهما واجبة في هذا الموقف؟
وأخيراً هل سيتحقق هذا الشاب المساندة والدعم والتعاطف والوقوف معه في الرأي الذي اتصف بالحكمة والحلم وحسن التصرف على الصعيد العائلي وعلاج أمه واحترامه لنفسه ولمن يرغب الزواج بها؟