آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

ثقافة التقدير

محمد أحمد التاروتي *

مبدأ التقدير يدخل في صميم الاخلاقيات لدى الكثير من المجتمعات البشرية، فهو يعكس جانبا معنويا في السلوك الإنساني، باعتباره انعكاسا مباشر لمجموعة القيم المحركة للعلاقات الإنسانية، فيما الجحود والتجاهل يكشف طبيعة الاخلاقيات المحركة لتلك الفئات الاجتماعي.

التقدير ينم عن احساس كبير بأهمية ”رد التحية بأحسن منها“، الامر الذي يخلق حالة من الوئام والانسجام الإنساني على مستوى العلاقات الاجتماعية، خصوصا والتقدير لا يترك اثرا معنويا في النفوس فقط وانما يولد طاقة ايجابية على الدوام، لاسيما وان تطويق الاثار النفسية لإظهار التقدير، يصعب تطويقها في مساحة جغرافية صغيرة، الامر الذي يخلق انسجاما إيجابيا كبيرا، يترجم في الكثير من الإنجازات، على الصعيد الذاتي أولا، والوسط الاجتماعي ثانيا.

اظهار التقدير يسهم في تفجير الطاقات المكبوتة، ويظهر الكفاءات المدفونة، ويكسر حاجز التردد والخوف، لدي اصحاب الامكانيات الكبرى، نظرا لوجود قناعات راسخة بوجود ارضية اجتماعية، قادرة على اتاحة الفرصة لإظهار تلك المواهب والقدرات، من خلال إبراز التقدير كشعار حاكم في جميع الأمور، وعدم اظهار التقريع، أو العمل على تكسير مجاديف اصحاب الكفاءات، عبر التغاضي عن المحاولات الفاشلة، والحرص على التحفيز بكل الوسائل.

اتساع دائرة التقدير في الممارسات اليومية، يسهم في إيجاد أجيال قادرة على تحويل الطاقة السلبية، لدى بعض الشرائح إلى محفز إيجابي، بحيث تترجم على اشكال متعددة، بعضها ذات اثر على المحيط القريب، والبعض الاخر يؤثر على المحيط البعيد، لاسيما وان السلوكيات الحسنة تجد أصداء إيجابية لدى مختلف الأطراف، الامر الذي يؤسس لحالة اجتماعية عامة، انطلاقا من التأثير المباشر لثقافة التقدير، على اطار العلاقات الضيقة، وكذلك على مستوى التعاملات الواسعة، وبالتالي فان محاولة رسم طريق واضح في التعاملات الإنسانية، يعطي نتائج ملموسة خلال فترة محددة.

غياب التقدير في الثقافة الاجتماعية، وانعدام مفردات التحفيز في السلوك الفردي، والافتقار لعنصر التشجيع في الممارسات الاجتماعية، عناصر قاتلة، ومرض مميت في الدوام، خصوصا وان البيئة الاجتماعية تلعب دورا أساسيا، في تكريس المبادئ الاخلاقية المحفزة، كما انها قادرة على تحطيم المواهب على اختلافها، من خلال اشاعة ثقافة التقريع والتحقير في السلوك الاجتماعي، الامر الذي يسهم في دفن الكثير من الكفاءات، ويقضي على خطط وعمليات النهوض الاجتماعي، وبالتالي فان تكريس التقدير يمثل رافعة اجتماعية قادرة على انتشال الجميع، عبر توفير العناصر المعنوية القادرة على استبعاد، أو رفض مختلف مفردات التحقير في الممارسات اليومية.

امتلاك القيم الاخلاقية الفاضلة يساعد في البناء الإيجابي، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يعزز من قدرة ثقافة التقدير على اختراق جميع الحواجز المعنوية، التي تسعى لترجيح كفة التحقير والتقريع، على ثقافة التقدير في المفردات المتداولة، لاسيما وان القيم الفاضلة تمتلك الطاقة الذاتية لفرصها ذاتها على السلوك الاجتماعي، باعتبارها ممارسات عقلانية تنسجم مع المتطلبات الأساسية، لتحقيق الفضيلة في المجتمع الإنساني، بمعنى اخر، فان السلوك الاخلاقي الفاضل يمتلك سحرا للاستحواذ على النفوس، مما يجعله أكثر قدرة على التعاطي اليومي، فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، لاسيما وان النفوس تنفر من السلوكيات الرذيلة والمنحطة، نظرا لآثارها التدميرية على السلوك الاجتماعي، وكذلك تحطيم الكثير من السلوك البشري، الساعي لتعزيز المصداقية في التعامل، ورفض مختلف اشكال الخديعة والغدر.

التقدير يمثل المفتاح لفك الكثير من العقد على الصعيد الاجتماعي، انطلاقا من مبدأ ”الكلمة الطيبة صدقة“، فالمفردة الطيبة بإمكانها احداث تغييرات جوهرية في السلوك الإنساني، بحيث تنقل المرء من وضع بائس إلى مكان أكثر اشراقا، كما تمتلك الكلمة الحسنة مغناطيسية جاذبة في المراجعة الشاملة، لمجمل السلوكيات واعادة ترتيب الأوراق، بما يحدث انقلابا شاملا على الصعيد السلوكي والعملي

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
زكريا أبو سرير
[ تاروت ]: 15 / 1 / 2023م - 3:58 م
رائع ما خطته اناملك الطيبة وفكر النير وبارك الله في عطائك المبارك استاذ محمد ، ودمتم موفقين
كاتب صحفي