قتلني الروتين قتال..
لاحظت ونادرًا ما ألاحظ أن الروتين يمكن أن يكون مفيدا ومريحا للمساعدة في تنظيم جداولنا المزدحمة وتبسيطها، لكني صرت في بعض الأحيان أشعر بالملل من الروتين ولا أريد ساعتها إلا كأس من البيبسي المعتق وقطعة بيتزا وأن آخذ لي شوطًا من القيلولة على الأريكة لمدة لا تتجاوز الأسبوعين لا سمح الله!.
وقد حدثني من لا أثق بحديثه، أنه سمع ممن لا يثق في علمه يقول: أن البيئة المألوفة تجعل الدماغ غافلًا وأقل يقظة وأقل تقبلاً للمدخلات الجديدة. كما وأنها تمنع غرائز البقاء لدينا أحيانًا من استكشاف المجهول وتعزز تحيزاتنا للمألوف.
عند سماعي لهذا الحديث نبضت الكهرباء في المصباح الموجود داخل عقلي بفكرة أخذ إجازة رائعة. والاستراحة من عناء هذا الروتين، لأعيد الاتصال بحواسي الأساسية، ولينفتح العالم أمامي مرة أخرى، ولألاحظ كل ما يحيط بي، واذهب في مشوار في سيارتي وبمفردي إلى الكورنيش لأستمتع بسماع صوت الأمواج المتلاطمة على الرمال، وأستغل طول الطريق جيئة وذهابًا فأطلق العنان لخيالاتي، كما لو كنت - حاشاكم - أخطب في الناس من أمام البيت الأبيض، أو أطرق منصة الأمم المتحدة بحذائي كما فعل خوروشوف، وأن أقاتل عصابات المافيا مثل مراد علمدار في «المسلسل التركي....»، وأجالس الزملاء الملوك والرؤساء، الأحياء منهم والأموات، وأن أجبر هولاكو على شراء تلفزيون سمارت لنشاهد سويًا بطولة خليجي 25 بدلًا من أن يغزو العالم. وأن أتذوق من مشاهدة فيديوهات التيك توك التافهة، وأشتم رائحة الأطعمة المختلفة في مطعم البرقر القريب من منزلنا. وأعود بعد ذلك بطاقة جديدة، وأكون بذلك على استعداد لمواجهة العالم مجددا.
لكن هذه الفكرة العبقرية ماتت قبل أن تولد لأني ببسيط الأمر سأعود وبغضون أيام قليلة إلى الروتين نفسه فتضيق رؤيتي الثاقبة من جديد.
الشكوى الشائعة هي أننا نفرض على أنفسنا العيش في عزلة وسط صوامع تجنبنا التعاون مع ذواتنا وألا نحاول الخروج عن نطاق المسمى الوظيفي الصارم وكأنما خلقنا الله مكائن ألمانية. فنعزل حياتنا بالتقصير من اخراج ذاك التنوع الجميل الموجود في ذواتنا ونجبرأنفسنا على السير في منهجية معينة هي في حقيقتها ليست إلا وسيلة مازوخية لتعذيب النفس، وكأنما لا يوجد نسخ أخرى من أنفسنا تختبأ هنا أم هناك، مثل تلك التي تظهر في طلعة مع الأصدقاء أو في المنزل أو في سفرة إلى احدى أراضي الله الواسعة.
تساءلت ماذا لو تعاملت مع روتيني ”المفشوخ“ من حيث روح العطلة والإصدارات اليومية، ومن الذات الواعية واليقظة والاستكشاف، وأدعم ممارسة الاستكشاف لكل ما هو موجود من حولي، وابحث عن اللحظات التي أقرر فيها أن ألهم وأوجه بها نفسي ”يا سلام عليي“. محاولة برمجة العقل لتسهيل التعاطي مع كل ما يدور من حولنا سيعقبها الشعور بالخفة والصفاء الذهني، لأن أدمغتنا فضوليّة وغالبًا ما تنجز مهمة دون أن تدرك ذلك.
حاولت أن ألهم نفسي فتذكرت لحظات من الإلهام مثل لحظات الزميل نيوتن، عندما سقطت التفاحة على رأسه، فحاولت أن أستلقي تحت شجرة ”كنار“ لقناعتي أن الإلهام يساعد في وضع النفس على مسار جديد في تحفيز قدرة العقل على ربط الأشياء ويأخذها بقفزة هائلة للنجاح.
وبعد لحظة الإلهام التي أتتني تلك، والتي قطعتها مياه رشاشات سقي الأشجار، اتخذت القرار والذي قد يبدو لوهلة أنه عاطفي انفعالي بأن أحاول قضاء بعض الوقت في القيام بشيء جديد لم أفعله من قبل، مثل المشي على سور البيت حافي القدمين!، فقد يساعد ذلك على تغيير السلوك ويسهل البدء في إنشاء تحولات إيجابية جديدة، وسأشتري بدلة ”سبايدر مان“ لأكون شجاعًا ومتحمسًا بما يكفي لتجربة أشياء جديدة في نهاية اليوم.
لن أغفل عن الأولويات بالتأكيد ولكني سأستمتع بكل لحظة من يومي واكسر القالب وأتعامل معه بشكل مختلف وأعمل مهماتي اليومية وأنا مستمتع بها. في النهاية إذا كنت تعتقد أن المغامرة خطيرة، فالروتين قاتل.