آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

قاعدة التشكيك

صالح مكي المرهون

من القواعد المهمة في طلب العلم قاعدة التشكيك. والتشكيك معناه عدم الانقياد لأي معلومة وأخذها مسلمة، لأن أخذها هكذا تجعل العقل يستسلم لها سواء كانت خاطئة أم صائبة.

ومن طبيعة العقل أنه يشتق معلومات متعددة من معلومة واحدة، فإذا كانت هذه المعلومة خاطئة فبالتأكيد مايبنى عليها ولابد من السؤال عنها والتأكد منها وإلا سيكون خاطئا، وسيتضرر العقل نتيجة المعلومات الخاطئة في هذا المنهج الخاطئ.

إذا النصيحة الذهبية هنا: لاتنقد إلى معلومة ما أبدا، بالذات هنا أقصد طلاب العلوم، لأن بعض طلاب العلوم لايمتلك المعلومة الكافية سواء كانت معلومة دينية أم حكم فتوى فيخبر الناس بها بدون أن يتأكد منها تماما، فلا تنقد إلى معلومة ما ابدا، وكن أنت مالكها ولاتجعلها تملكك، فإذا ملكتها كنت قادرا على ان تملك غيرها، بل ستتعود بعدها على ملك المعلومات والسيطرة عليها، وأيضا إذا ملكتها كنت قادرا على أن تتعداها إذا كانت خاطئة أو باطلة، أما إذا كانت العكس فتملكت هذه المعلومة فقد قصرت عن إدراك غيرها، لأنها حبست عقلك في إيطارها، وإذا كانت باطلة أو خاطئة قادتك إلى معلومات باطلة خاطئة أخرى.

والتشكيك ينبغي أن يشمل حتى الآراء التي تؤمن بها سابقا، فعندما يطرح رأي علمي أو معلومة ما للمناقشة، أو عندما يستدعيها عقلك في ظرف ما، فإن إعادة النظر فيها سيكون مفيدا جدا، ولن يتحقق إعادة النظر هذا بشكله الصحيح إلا إذا أخضعت الرأي أو المعلومة إلى التشكيك.

وعندما تشكك وتعيش مع هذا التشكيك فإنك ستصل حتما إلى الإيمان، وليس الإيمان فقط بل تصل إلى الإيمان العميق جدا.

وأهم موانع التشكيك هو مصدر المعلومة، فمتى ما كان مصدر المعلومة مهماً في نظرك فإنك تميل إلى التصديق بمقولته، وهذا أمر ملموس في البحوث العلمية العقائدية التي تستند إلى آيات وروايات، فالثقة بالقائل سواء كان قرآنا أو إماما أو عالما، يسترسل الباحث في المعلومة المستفادة دون تمحيص، ودون البحث عما وراءها، وهذا سلوك علمي غير صحيح. وإذا كان الأمر يهون في معلومات القرآن أو السنة الشريفة إلى حد ما، فإنه لاينبغي أن يكون كذلك عند صدور المعلومة من عالم، فإن الميل إلى تصديق مايقوله العالم قد يكون فيه الهلاك العلمي، ونحن هنا طبعا لانقصد مجال الفتوى والتقليد، فمن قلد عالما انقاد له، وإنما نقصد الأمور العلمية التي يكون الشخص مؤهلا لمناقشتها بعد إدراكها، وإن كانت حتى الفتاوي الشرعية والتقليد فيها لا يعطي مبرراً لعدم الخوض في فلسفتها للتأكد منها.

إذاً اعود فأقول إذا رأيت عالما وكان لديك قناعة بأنه عالم كبير فلا تؤمن أن كل مايقوله صحيح، وناقش المعلومة ظاهراً وباطناً حتى وإن كانت صدرت من ذاك العالم، وهذا هو السلوك العلمي الصحيح.