اعتناق الآراء ومواجهتها بالحوار
الحرية تعتبر مفهوماً ومعنى من المعاني السامية والمثالية، التي تنشدها المجتمعات وشعوب العالم، وهي ضرورة حياتية للإنسان، وتعني أن يشعر الإنسان بكرامته وحقه في الحياة وفي ممارسة الحرية بمختلف أشكالها وأنواعها، سواء في المجال السياسي أو الفكري أو الاقتصادي من دون قيد أو ضغط صادر من النظام الحاكم أو المجتمع.
والدعوة إلى الحرية ناتجة قبل كل شيء من حاجة متولدة في المجتمع، شعر بها عدد من أفراد المجتمع ونادوا بها لتحقيقها. ولعل أبرز عامل يعكس واقع ومصداقية الحرية في المجتمع، هو مستوى ممارسة حرية التعبير والرأي وحرية العقيدة والدين... إلخ، من الحريات الأساسية، التي تعتبر الجوهر والعمود الفقري لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فالعلاقة التي تربط الحرية بحق إبداء الرأي والتعبير، لمعرفة مدى مستوى ممارسة هذا الحق في المجتمع دون قيد، ومن ثم معرفة إذا كان هذا المجتمع حّراً أم لا! والشواهد التي نلاحظها في بعض دول العالم تعرفنا بمستوى ومعرفة ما إذا كان هذا المجتمع حرا، وذلك عبر الاطلاع على الآليات التي يمارس فيها حقه وحريته، التي تعتبر وسيلة للتعبير من دون قيد.
فحرية الرأي والتعبير، أو ما يطلق عليه حق الكلام والتعبير والنشر، من الحريات الأساسية في المجتمع، حيث إن أي تقدم في المجتمع هو مرتبط بمدى ومستوى ممارسة هذا الحق، والمقولة المأثورة: «إن لم يكن بوسع المرء أن يمتلك لسانه فإنه لن يكون بوسعه ربما أن يمتلك أي شيء آخر»، فعندما لا يستطيع الإنسان أن يتكلم أو يمتلك حرية التعبير لا يستطيع أن يمتلك أي حق آخر.
وقد دخلت حرية التعبير في العرف منذ الأيام الأولى من العهد الإسلامي، فالرسول ﷺ، يقول: «لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه»، فلا رقابة على الفرد في رأيه طالما كان الرأي صالحا.
وعن وسائل ممارسة حق حرية الرأي والتعبير في المجتمع، فهي تتم عبر الطرق السلمية، لا عن طريق العنف والإرهاب، فطرق التعبير تختلف أشكالها من مجتمع إلى آخر، فتارة تتم عبر الوسائل المباشرة الحديث المباشر الصادر من فرد إلى فرد آخر، أو عبر الوسائل غىر المباشرة كالوسائل المرئية أو المقروءة، وكلها تعتبر من قنوات الاتصال بالجماهير والمجتمع، وحتى يتم خلق جو إيجابي ومنفتح لا بد وأن الجميع يمارس حقه في الإطار السليم ومن دون التعدي على حقوق الآخرين.
وبالتالي فالطريقة الأمثل في التعامل مع الرأي الآخر هي الطريقة الحسنى، وعدم استخدام العنف والقوة في إجبار الآخر على القبول بالرأي أو محاولة تهديده، أو التجاهل، بل عبر الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ النحل: 125. ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ العنكبوت: 46. وهذا يعطي دلالة واضحة على الحق في إبداء الرأي بالطريقة الأحسن التي لا تؤدي بالشخص نفسه إلى الضرر أو الهلاك، وإنما عبر الطرق السلمية، واستخدام الوسائل المتاحة والمشروعة في اتجاه الإصلاح.