آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

هل عالمية سلاسل الإمداد من بقايا الماضي؟ «3»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

هناك من ينظر لمنظومة سلاسل الإمداد من زاوية نقل السلع من نقطة إلى نقطة، وهذا بالتأكيد أمر حرج الأهمية، لكن كيف يمكن تحقيقه بكفاءة عالية وبأعلى قدر من المرونة وبما يُطمئِن أن السلع تتحرك من نقطة لأخرى بديناميكية تُحقق سلاسة؟

دعونا نتصور التحديات التي تكتنف شركة ترغب في الحصول على وضوح «visibility» تمكنها من تتبع سلاسل الإمداد على امتداد مراحل تهيئة المنتج كافة؛ من التخطيط إلى التسليم للمستخدم النهائي. كما تحتاج تلك الشركة القدرة على تتبع السلع حتى بعد ذلك، رغبةً في توفير خدمات ما بعد البيع وهلم جرا، لأهمية ذلك في إكساب الشركة ميزة على منافسيها. وفوق ذلك، لا يجدر أن ننسى تحدي الاستثمار، الذي يتطلبه الإنفاق على البنائية «architecture» الجديدة القائمة إلى الحد البعيد ليس فقط على التجهيز والإنتاج والنقل، بل بالقدر ذاته على توظيف تقنيات متقدمة، التي يمثل اقتناؤها تحدياً تمويلياً واستثمارياً حرجاً للتحول من التقليدية إلى بنائية لسلاسل الإمداد تتمتع بالكفاءة والمرونة والوضوح.

وهكذا، فلا مناص من اتباع استراتيجية مختلفة للانتقال بسلاسل الإنتاج مما هي عليه من تهتك إلى ما هو مأمول من كفاءة وديناميكية ومرونة وسلاسة. فبعد التجارب المريرة غدا العالم على يقين أنه لا يمكن الاستمرار على نهج الماضي ولا حتى الحاضر، فالحاجة ماسة: «1» لتدريب الموارد البشرية واستخدام التقنية، لتشكيِّل مهارات ترتقي للمتطلبات الجيدة «2» ولتوظيف التقنية الضرورية لتحسين أداء منظومة سلاسل الإمداد العالمية والاطمئنان أنها لن تصاب ب”الشلل الرباعي”على صخرة الجوائح والحروب، لكن التمنيات غالباً تفوق الإمكانات.

بداهةً، يتطلب تحقيق سلاسل إمداد تقوم على بنائية توفر الكفاءة والمرونة والوضوح ضخاً استثمارياً ملائماً. وهنا تتولد تحديات أخرى، فليس لدى كل البلدان القدرة على الاستثمار. وعليه، قد يتطلب الأمر تمكين بلدان بحكم موقعها وإمكاناتها «كما فعلت وتفعل الصين في مبادرة الحزام والطريق». وليس من شك أن استقطاب تلك البلدان قد يمثل عقبة كأداء تحول دون تحقيق شبكة مترابطة، تصل من النهاية - إلى النهاية «end-to-end» عبر سلاسل إمداد عالمية، إذ أن المطلوب تحقيق هيكل ونظام مختلف لسلسلة الإمداد، يتكون من شبكة تشمل العديد من نقاط التلاقي «nodes»، تتفاوت من حيث الإمكانات والسِعة، وبعضها عبارة عن محاور «hubs»، كما تسعى السعودية لتحقيقه بأن تصبح أحد المحاور الرئيسة لسلاسل الإمداد العالمية. وبالطبع كل ذلك يتطلب استثمارات لا تنقطع لتحقيق رؤية واضحة. وعلى صلة وثيقة بذلك مسألة التمويل. كيف؟ لا يمكن ترك قضية التمويل للبنوك التجارية، فالقضية حرجة الأهمية كما ثبت من خلال جائحة كوفيد-19، ويتطلب الأمر أن تضع المنظمات المالية العالمية والإقليمية“تمويل سلاسل الإمداد”ضمن أولوياتها، شأنها في ذلك شأن“التمويل المستدام والأخضر والأزرق”الصامة للآذان هذه الأيام.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى