آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

التضخم: هل نحاربهُ بالرقابة أم بالمنافسة؟ «1»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

قبل نحو خمسة أشهر طالب مجلس الشورى وزارة التجارة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، تطوير أدواتٍ رقابية وإجرائية لرصد أسعار السلع، دعماً لاستقرار السلع التموينية والأساسية، من خلال توسيع نطاق للمنتجات التي يراقبها نظام الرصد الإلكتروني لتشمل الجميع وتفعيل آليات الرصد الفوري لها. وفي ذات السياق، ودعا المجلس إلى إجراء دراسة لمقارنة أسعار المواد التموينية الأساسية في السوق المحلية بمثيلاتها الأخرى، وكذلك تطوير آليات عملها الإجرائية والتقنية لتضمين مخالفة «عدم تسليم المنتج» ضمن المخالفات التجارية، وتفعيلها ضمن بلاغات المستهلكين في تطبيق «بلاغ تجاري» وتوعية التاجر والمستهلك بذلك.

وعلى رغم أهمية الرقابة الفاعلة، إلا أن المشكلة لا تحل بمجرد تحرير مخالفات! ومن جانبٍ آخر فإن المضاهاة بين وفرة السلع وسعرها، باعتبار أن الاطمئنان إلى وفرة السلعة لتلبية الطلب أهم من استقرار سعرها، هي مضاهاة لا تصح البتة؛ إذ أنها مضاهاةٍ تتمحور حول إعطاء أولوية لعدم انقطاع السلع عن السوق، وهذا لا شك أنه هاجس لمن يقوم على تنفيذ السياسة التموينية لأي بلد، فقد شاهدنا - إبان جائحة كوفيد - بأن غدت أرفف المتاجر في بعض الدول خاليةً من البضائع نتيجة لعدم توفرها بسبب تراجع وتائر الإنتاج أو الاستيراد. وباليد الأخرى، فإن استقرار أسعار السلع أساسي لضبط التضخم عند معدلٍ منخفض ومستقر لا يَحدّ نمو الاقتصاد ولا يقلص خلق الوظائف، فذلك مطلب لا فكاك منه لتحقيق أهداف السياسة النقدية، وتحقيق أهداف السياسة النقدية أساس للثقة بالعملة المحلية وللتعامل التجاري والاستثماري مع الاقتصادات الأخرى.

إذاً، فاستقرار الأسعار أساس لا يمكن تجاوزه ولا يستقيم أن يُضحى بهِ من أجل“الوفرة”. فضلاً، عن أن المضاهاة ليست ثنائيةً مقتصرةً على الوفرة والسعر، بل هي ثلاثية بين“الوفرة”و”السعر”وعنصر ثالث هو“القدرة”على دفع السعر المعروضةُ بهِ السلعة «affordability»، بسبب أن العناصر الثلاثة مترابطة: الوفرة والسعر والقدرة، وبالأخص للسلع الضرورية كالأغذية والأشربة والأدوية على سبيل المثال لا الحصر، بمعنى أن المطلوب توفيرها للمستهلكين كافة بأسعار مستقرة في قدرتهم دفعها، وإلا ستضطر الحكومة دفع إعانات لشرائح واسعة من السكان، حتى في حال توفر السلع دون أن تكون أسعارها مستقرة أو أنها ترتفع بحيث تصبح خارج قدرة شرائح متعاظمة من المستهلكين.

وبالتأكيد فإن وفرة السلع في الأسواق أمر أساس، فإن لم تتوفر - وهذا ما يحدث عادة عند تهتك سلاسل الإمداد - فإن الأسعار ترتفع بطبيعة الحال.

لكن العبرة ليست فقط بتوفر السلع في السوق، فقد تكون متوفرة لكن ليس لدى شرائح من المستهلكين القدرة على شرائها! وهكذا، فإن المرتكز الأساس للسياسة التموينية توفير السلع الضرورية بأسعار في المتناول، والحفاظ على استقرار الأسعار. إذ لا فائدة أن تكون السلع متاحة، تملأ ارفف المتاجر لكن ليس بوسع المستهلكين شراؤها، أو أن تكون أسعارها ترتفع من أسبوع إلى آخر. وبالقطع، فالحديث هنا عن السلع الضرورية. أما السلع الكمالية فسياقها مختلف، إذ إن يستطيع المستهلك شراء السلع فلا بأس، اللهم إلا على البائع الذي ستتراجع مبيعاته، ومن ثم أرباحه، وليتفادى ذلك سيسعى التاجر لتجيير الزيادة إلى المستهلك بما يمكنه من الحفاظ على أرباحهِ.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى