آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:27 ص

التضخم: هل نحاربهُ بالرقابة أم بالمنافسة؟ «3»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

لمعرفة العلة من وجود الأشياء علينا أن نعود للجذور، وكذلك فيما يخص التضخم، مما يبرر سؤالاً: لماذا يُقاس معدل التضخم شهرياً، وتتابعه الحكومات والشركات والأفراد على قدمٍ وساق؟

يعمل التضخم كضريبة على ما بيدك من نقود؛ فمعدلات التضخم المرتفعة والمتقلبة تؤثر على الطلب على النقود. وباعتبار أن ذلك يؤثر على الطلب على السلع والخدمات والأجور، فيتفاوت ضبط التضخم من دولةٍ لأخرى معتمداً على: الهيكل التنافسي للاقتصاد، ومستوى التدخل الحكومي، وكفاءة السوق، والعوامل المالية.

وهكذا، فلا يمكن تحقيق الاستقرار من خلال تطوير الإجراءات وإيقاع العقوبات، وعلى الرغم من أن مطلب مجلس الشورى الموقر بجعل الرقابة على أسعار السلع أكثر كفاءة هو مطلب مبرر، لكنه غير كافٍ. ففيما عدا السلع الخاضعة للسياسة التموينية، وهي السلع الأساسية، التي تراقب الحكومة المخزون المحلي منها وتعمل لاستقرار أسعارها، لتعزيز“قدرة”جميع المستهلكين على شرائها، فإن الاجراء الأكثر فاعلية إجمالاً هو إشعال المنافسة وتمكينها وتحفيزها، فما نلاحظه اجمالاً في أسواقنا أنها مقسمة بين عدد ليس كبير من التجار. وأقصد بالأسواق هنا، سوق كل سلعة أو خدمة، سواء أكانت سوق لحوم أو سوق سيارات أو سوق أقمشة، فالعدد المحدود من التجار يحافظ على بقاء السعر عالياً. وبوسعك تطبيق ذات المفهوم على أية سلعة من اختيارك، وستصل إلى اجابة تجد فيها ان ثمة نقص في المنافسة.

وعليه، فالحفاظ على استقرار الاسعار وتعزيز الوفرة والحفاظ على قدرة المستهلكين تتحقق جميعاً بالانفتاح على المنافسة، بإزالة عوائق دخول السوق والخروج منه، وضبط السوق بحيث لا يكتسب كبار التجار ميزة تمكنهم من تحييد صغار التجار بدفعهم للخروج من السوق محملين بخسائرهم. وإن كان أحد يريد مثال حي على المنافسة المشتعلة فليتابع محلات بيع القهوة؛ كل يوم محل جديد يدخل وآخر يخرج، وستجد القهوة بكل الأسعار فتنتقي ما يناسبك. أما الحلول الإجرائية فمفيدة لكنها غير كافية لضبط السوق، والدليل أن بعض الدول المجاورة لديها“شرطة تموين”ومع ذلك تعاني من شح السلع وتسلط تجار السوق السوداء.

وكخطوة متقدمة - ولا أقول إنها كافية - فلا مناص من مواصلة اتخاذ إجراءات متوثبة وحثيثة لجعل أسواق السلع والخدمات في المملكة اسواق متصاعدة المنافسة. وليس لهذا التوجه أساس تعاطفي مع صغار المستهلكين، بل تعاطفه الأساس هو حفز الاقتصاد على النمو استهلاكاً واستثماراً وتجارةً، فالأسواق الكفؤة هي الأسواق التي تسوسها المنافسة وليس الإجراءات البيروقراطية، فالنظرية الاقتصادية تقول: أن اضطرار الباعة للتنافس فيما بينهم لاستقطاب الزبائن، يؤدي إلى خفض السعر ورفع الجودة، ويؤدي كذلك إلى سعي الباعة لتمييز منتجاتهم عبر توفير خيارات أوسع وتطوير منتجاتهم طوال الوقت. ما تقوله النظرية سلوك أكدته الأبحاث الميدانية مراراً وتكراراً.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى