آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

أوضاع ملتهبة وشتاء جليدي

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

أسبوع حافل بالأحداث، شملت عقد ثلاثة مؤتمرات دولية في آسيا: مؤتمر للمناخ في شرم الشيخ بمصر، وآخر للتعاون الاقتصادي الآسيوي الباسفيكي APEC في بانكوك بتايلاند، وثالث لدول العشرين، في بالي بإندونيسيا، وفيه شارك الرئيس الأمريكي بايدن، والزعيم الصيني شي جيبينغ، وعدد كبير من قادة دول العالم. ورغم أن هذه المؤتمرات غير مكرسة لمناقشة قضايا سياسية، فإن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، طغت على أجوائها. وكان اللافت فيها، غياب الرئيس بوتين عنها رغم أهمية القضايا المطروحة فيها بالنسبة لبلاده وللعالم بأسره.

على صعيد الحرب الدائرة في أوكرانيا، تتجه الأمور سريعاً، نحو حافة الهاوية، فقد صعدت روسيا من ضرباتها الصاروخية، على معظم المدن الأوكرانية، مستهدفة مراكز الطاقة، والمنشآت العسكرية والحيوية. وقد أدى ذلك إلى الانقطاع المتواصل للكهرباء، في العاصمة كييف. وبلغت أزمة وجود الطاقة حداً دفع بالرئيس زيلينسكي للقول باحتمال عجز الماكنة العسكرية عن مواصلة عملها بسبب عدم توفر مصادر الطاقة اللازمة لتشغيلها.

كما شهد الأسبوع المنصرم، تصعيداً خطيراً في مجرى الحرب، بسقوط صاروخين، على الأراضي البولندية، أثناء انعقاد مؤتمر العشرين في بالي، تسبب سقوطهما بمصرع شخصين. ووجهت أوكرانيا الاتهام لروسيا بإطلاق الصاروخين، ودعت حلف «الناتو»، إلى الرد على روسيا، لكون بولندا عضواً في الحلف. لكن ذلك الاتهام لم يلق تجاوباً من الرئيس الأمريكي بايدن، وبقية زعماء أوروبا، الذين أعلنوا لاحقاً، أن تلك الصواريخ انطلقت من الأراضي الأوكرانية.

ووضع المحللون السياسيون، في المراحل الأولى لسقوط الصاروخين على الأراضي الأوكرانية، احتمالات ثلاثة لمصدرهما. الأول، أن يكونا بقايا شظايا لصواريخ روسية أسقطت على أوكرانيا، وتصدت لها المقاومات وأسقطتها قبل وصولها إلى أهدافها، وأن شظاياها وصلت إلى قرية حدودية بولندية. والاحتمال الثاني، أن تكون الصواريخ الروسية سقطت عن طريق الخطأ. أما الاحتمال الأخير، فهو أن تكون أوكرانيا، هي من أطلقت تلك الصواريخ، إما عن طريق الخطأ، وأما عمداً بهدف جر «الناتو» للدخول في الحرب ضد روسيا، بما يوسع دائرة الحرب، ويخفف أعباء القتال التي تتحملها وحدها. وشجع على القول بهذا الاحتمال التصريحات المتكررة للرئيس الأوكراني، زيلينسكي التي يطالب فيها أمريكا، ودول «الناتو» بحماية بلاده، والتصدي العسكري المباشر للهجوم الروسي.

ويسجل في هذا السياق، لإدارة الرئيس بايدن يقظتها وعدم تسرّعها، في قبول الرواية الأوكرانية، وتحميلها لاحقاً أوكرانيا مسؤولية إطلاق الصواريخ. لكن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من تشجيع الأمم المتحدة على عقد اجتماع طارئ في مقرها بنيويورك، تبارى فيه مندوبا أمريكا وفرنسا لاتهام روسيا بأنها السبب في إطلاق الصواريخ على بولندا، أياً يكن الفاعل، لكونها هي التي أشعلت الحرب على أوكرانيا.

وتؤكد القيادة الروسية من جانبها، وعلى لسان رئيس مجلس الأمن القومي، أن الحرب بالكاد تبدأ الآن، ويصف ما جرى في الأشهر التسعة المنصرمة بأنه لعبة. ويوضح أن بلاده لم تستخدم أسلحتها الدقيقة والفاعلة، بعد في هذه الحرب. وأن على الرئيس الأوكراني، أن يكون جاهزاً للأصعب. ويستحضر القادة الروس، أن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، كانت إلى حد كبير، بسبب انعدام الطاقة لدى الجيش الألماني. وأن الهزيمة ستلحق هذه المرة بأوكرانيا، بعد انقطاع مصادر الطاقة اللازمة لتشغيل آلتها العسكرية.

ومع الدخول في موسم الشتاء، تتضاعف الخشية من أن تشهد القارة الأوروبية بأسرها شتاء قارساً، غير قابل للاحتمال، وتلجأ عدد من بلدان أوروبا إلى تجميع الأخشاب، كوسيلة للتدفئة في ظل انعدام الغاز.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تعيش أوروبا، حالة من الارتباك الشديد، بسبب تضاعف أزماتها. ففرنسا تعلن صراحة، أن إمدادات الكهرباء مهددة مع بداية عام 2023. وتوضح أن خطة مكافحة التضخم الأمريكية قد أضرت بمصالحها. و«الفايننشل تايمز»، تتحدث عن مستقبل قاتم للاقتصاد البريطاني. ورئيس الحكومة الهنغارية يكشف عن حجم الأموال التي تخسرها بلاده بسبب الحرب على أوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. والأوضاع الاقتصادية في بقية دول أوروبا والعالم ليست أقل سوءاً. وما لم يتم وضع حد للاحتكام للسلاح، ويُجبر الغرماء على الجلوس لطاولة المفاوضات، فسنصل حتماً إلى حافة الهاوية: أوضاع ملتهبة وانهيارات اقتصادية عالمية وشتاء جليدي.