آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

عن العشريني والأربعينية

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

كتبت الزميلة «نجلاء الحربي» قبل أيام تقريرا في العدد الأسبوعي من صحيفة الوطن بعنوان «أربعينيات يتباهين بأعمارهن» ذكرت فيه: «أن بعض النساء بدأن في الآونة الأخيرة يحتفلن ببلوغهن الأربعين من أعمارهن، ويجاهرن بأنهن وصلن إلى هذه السن، فيما يعد تحولا في الثقافة الاجتماعية التي لم تعد تنظر إلى تقدم المرأة في السن بعين النقص».

وهنا أقول نعم دائما في الحقيقة ما تتهم المرأة بأنها تكبر وتشيخ، وهذا الاتهام ليس مرتبطا بالمرأة دون غيرها، ولكنه يتجلى بوضوح مع هذا الجنس الأنثوي، حتى إذا غردت إحداهن من كبار السن بتغريدة تخالف المألوف إلا وتقرأ الهجوم عليها بعبارات مثل: «أسكتوا هذه العجوز» أو «عيب عليك تتكلمي وأنتِ بهذا السن»، بل وحتى في طريقة لباسها يتم التنمر عليها بعبارات من قبيل «لا تلبسي هذا اللون لأنه غير لائق لعمرك»! وغيرها من الجمل البلاستيكية التي تحمل في طياتها تمييزا عنصريا ضد المرأة على أساس العمر.

نظرة الازدراء هذه تدل بكل وضوح على أن الأعمار إنما تهرم وتشيخ بفعل الوعي وليس بالعامل الزمني، والتقارير العلمية الأخيرة تؤكد ذلك، إذ تقول بأنه إذا كان معدل العمر في المملكة الآن 78 سنة فإنه بعد 10 سنوات سيكون معدل العيش 88 سنة، يعني بعد 50 سنة سيكون معدل العيش 130 سنة. بل هناك بعض الدراسات العلمية تؤكد أن الأعمار الآن شبه توقفت وذلك مع تطور الحياة، أي سترجع الأعمار كبيرة كما كانت في الماضي، وسنسمع كثيرا في العقود القادمة عن أعمار 160 سنة 180 وهكذا.

ولو استعرضنا الحوار الدائر الآن على طاولة الزمن، سيقول الشباب أعمارنا أفضل من الكهولة بكثير، فما نستطيع فعله نحن لا يستطيع ابن الستين أو الثمانين القيام به، أما حياة الكهولة فهي مملة وقاسية «ويا لله حسن الخاتمة».

كبار السن يردون: من قال لكم بأن حياتنا مملة ورديئة؟ ففي الكبر متع ومباهج لا تعد ولا تحصى، فمتعة قراءة رواية رائعة في العشرين من العمر لا تقاس بالمتعة ذاتها ونحن نقرأها بعمر السبعين، فتراكم الخبرات والتجارب يضفي على الرواية ذاتها طعما لا يتذوقه إلا نحن الكبار. كما أن متعة الاستماع إلى معزوفة كلاسيكية في العشرين من العمر، ليست كتلك المتعة ونحن في منتصف السبعينات، أو حتى الثمانينات من العمر.

كما أن متعة التعايش مع الآخر المختلف لا تختمر إلا في الكبر، كما أن العلاقات الأسرية في الكبر ذات معنى عميق، وهي مشاعر رائعة لا يعرفها صغار السن، الأكثر انشغالا بتكوين أسرهم وتربية أبنائهم.

أما أنا فلست مع منطق العمر هذا فما بين تاريخ ميلادك المكتوب في شهادة الميلاد، وبين كم عشت حقا في هذه الدنيا فارقا كبيرا، فالعمر الحقيقي ليس في العشرين أو التسعين إنه العمر الذي نشعر به، ونعيشه، ونعيش معه، وما أسخف أولئك الذين يصرون على التعامل معك وفقا لهذه الشهادة، يخرجونها بوجهك كل دقيقة، يريدون أن يضيفوا إلى قيودهم قيدا جديدا، اسمه العمر، ويسطرون أمامك مقولاتهم الخالدة «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» و«لا تأخذ زمانك وزمان غيرك» و«كبرنا على هالسوالف» و«بعد ما شاب ودوه الكتاب».

لم أسمع أحدا يقول «من قرأ أكثر منك بصفحة أعلم منك بسنة»، أو «من عمل أكثر منك فهو أفضل منك بقرن».

منطق العمر يجعلنا متناقضين فإن ماتت امرأة في الخمسين قيل «ماتت في عز شبابها»، وإن عشقت في الخمسين، قيل «بعد كل هذا العمر وتحب».

أخيرا أقول: من يعرف الحياة جيدا سيدرك أن العمر لا يعطيك قيمة.. وعيك فقط هو من يعطي لعمرك القيمة.