الانغماس المرضي
لدي ظمأ لمعرفة ثقافة الشعوب وأقف على حياتها الاجتماعية والعقلية، وكانت أسرع طريقة لمعرفة الشعوب هي قراءة منتجها الفكري والأدبي، سابقاً كنا لا نعرف ثقافات الشعوب إلا بالسفر إليها، أما الآن فعالم الإنترنت هو بوابة
الحضارات فكلما دخلت عالم النت أندفع بالقراءة وكأنني في سباق ليس له خط نهاية، توقفت أمام سلسلة من المعلومات والأرقام السابحة في التنوع، أتأملها وأتعجب بنفس الوقت كما لو أنها خوارزميات رياضية تعكس روح هذا العالم، هي نوافذ صغيرة فتحت لنا وأصبحت جزءا أساسيا من حياتنا، ولكن هذا السيل من المعلومات التي بعضها بمصدر، وكثير منها ليس لها مصدر، هل فكرنا ماذا أعددنا لهذا التدفق المعلوماتي الذي يخترق العقول ويشعل حرائق الحيرة. في عالم النت هناك الجريمة، العنف، الانحراف، الإرهاب، والتربح التجاري، والتضليل السياسي، كيف يمكن أن نبقى صامدين أمام كل هذه الاختراقات، والسؤال الأهم ماذا قدمنا لحماية عقول شبابنا، تشتكي إحدى صديقاتي من ابنتها التي تقضي كل يومها أمام ألعاب في الإنترنت تلعب مع لاعبين مجهولين طوال اليوم، أصبحت انعزالية غير اجتماعية وعلاقتها بالأسرة علاقة سطحية، أصبحت قليلة الكلام وصداقتها كلها افتراضية، ياترى ماهو هذا العالم الموازي الذي تعيشه، ومع من تتحدث، وماهي الأفكار التي يعتنقونها، وكيف يمكن معرفة ما يدور بهذه العوالم التي تأخذ أبناءنا وتسرقهم دون أن نعي أو حتى هم يعون،
وكيف هي مساهمتنا في المحتوى الرقمي العربي؟ الأكيد أن بشريتنا الجديدة في المجتمع الشبكي أصبحت مشتركة جداً ومليئة بالبدع، والأيديولوجيات الفكرية، والتنوع الثقافي، مما جعل الأمور تصبح أكثر تعقيداً فهذه التكنولوجيا الإنترنتية أصبحت مولدة للكثير من المشكلات والحلول في آن واحد، الواقع أننا قيدنا أنفسنا بوضع خرائط تفصيلية نتبعها في طريقة تواصلنا مع الآخر، أيضاً نحن عاجزون عن التواصل مع هويتنا والأكيد أننا نذوب في الآخر بسرعة، لماذا؟