القهوة تلك التي ربطت العالم ببعضه
لطالما ارتبط اسم القهوة بالقلم، فأول ما يخطر في ذهننا حين نذكر اسم مثقف، هو جو القهوة وسحر الغرق في تفاصيلها الساحرة، التي تسرق الكاتب فتأخذه إلى عالم آخر مليء بالإلهام والإبداع، وقد قيل: ”لا أعتقد أن هناك شيئاً يمحو بشاعة العالم إلا وجود كوب من القهوة ورواية في صباح مليء بالأمل وموسيقى لأغنية من أغاني السيدة أم كلثوم أو فيروز“.
وبسبب شهرة القهوة وملازمتها للكثير من المثقفين والأدباء والمفكرين، أصبحت القهوة أيقونة، وهذا له أسباب كثيرة، ولكن يروى أنّ أصل القهوة أثيوبية، حيث قبيلة الأورومو هي التي تعرفت على القهوة وعلى تأثيرها المنشّط في الإنسان، ولكن لا يوجد مصادر تؤكد تحديداً منشأ حبوب القهوة، إلاّ أنّ هناك بعضها قد دلّت بشكل موثّق على أنّ القهوة قد عرفت في المنطقة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية وتحديداً في اليمن، إلى أن وصلت إلى كلّ من بلاد فارس وأرمينيا وتركيا وشمالي أفريقيا، إلى أن عمّت أرجاء العالم. أيضاً هناك مصدر تاريخي آخر يقول إن من أول من استخدم الشراب المصنوع من الحبوب المصدرة من أثيوبيا إلى اليمن هم الصوفيون، وكان الهدف من شربها أن تساعدهم على الاستيقاظ طوال الليل لإقامة الصلوات، وهذا أحد أسباب انتشار القهوة، إلا أن هناك حالة ارتباط بين المثقف والقهوة، ثمة من يذهب إلى أبعد من كوب قهوة، يرحل إلى حالة من الشغف والتلازم بين الثقافة والقهوة والإبداع، هناك من يعشق الاستيقاظ باكراً لينعم بالقهوة فتتناسل الأفكار، البعض يكتب قصيدة على أنغام ارتشاف القهوة، والبعض يكتب رواية أو قصة، فالقهوة حالة يستعصي على الفهم شرحها، ولكن الغريب أن القهوة في البداية لم يستسغ العالم طعمها بسهولة، حيث أدينت وحرمت ثم أصبحت المفضلة والجليلة واللذيذة. إلا أن علاقة القهوة بالثقافة علاقة عززها الشعراء والكتاب حيث أصبحت القهوة رفيقة السهر والحب والتأمل، وقد قام الكثير من المثقفين والشعراء والأدباء بالتغني بها في العديد من القصائد والأشعار والكتابات السردية، ليتشكل لدينا مع الزمن أدب حول القهوة.
وقد كان للقهوة مكانة في الشعر، فقد كانت من أهم موضوعات دواوين الشعر العربي، والكثير من الشعراء تغنى بالقهوة وبمدى تأثيرها في مزاجهم لما فيها من طعم فريد يبعث في النفس النشوة والإبداع. ولقد ألف فيها من أهل العصر بمكة والقاهرة وغيرهما الكثير من المؤلفات، وقد قال ابن أبي كثير في وصف القهوة: قهوة البن مرهم الحزن وشفا الأنفس فهي تكسو شقائق الحسن من لها يحتسي.
أما جمال الدين القاسمي فوصف القهوة بهذه العبارة: ”هو مشروب الكتاب والمدرسين والمطالعين للكتب والمعلمين للعلوم الأدبية والصناعية والشعراء وأهل الأدب“. والأكيد أنه إذا حضرت القهوة يحضر معها الحنين: ”أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي“.. محمود درويش.