أيها الشباب.. اقرؤوا
كل الأفعال لها مردود، وكل الأفكار لها مريدون، ولكن أحياناً أخشى أن تأتي الأفكار من الجدران الفارغة، ومن التجارب غير الناضجة، ومن البشر غير القادرين على استقراء المستقبل، لم يكن المثقف يوماً إلا صانع رأي، وطارح رؤى، ومحلل، ولم يكن الشاعر إلا لسان حال المجتمع، ومن أراد الكتابة سوف أردد مثلما ردد محمد دكروب ”أيها الشباب، اقرؤوا، وانهلوا من منابع الثقافة“.
ونحن الآن نعيش مواسم أعراس الكتب بمعنى الموسم الثقافي المتكرر كل عام، هذا يجعلنا نجدد العهود والنذور مع الكتاب، فهو كرنفال يبهج العقل والروح، ويحرر الإنسان من الخرافات والأوهام، وهو مبعوث سلام لتتوازن الحياة، فلم يكن الكتاب يوما إلا صديقا مخلصا، ورفيقا يغني عن البشر الذين يحيطوننا بالكثير من الخذلان واللوم والألم، ومعرض الكتاب في الرياض هو تظاهرة كبيرة، وهو فرصة للتلاقح الفكري واللقاءات الثقافية بين المثقفين والباحثين والناشرين، وهمزة وصل تتيح لهم لقاء عملاق ممتزج بالكثير من المعارف والثقافات والعناوين الكثيرة للكتب المرصوصة بعناية في جنبات المعرض.
إن التنوع الثقافي الذي يشهده معرض الكتاب هو استجواب واسع للعقول، واستنطاق لحدودها المعرفية، كذلك يعرض الثقافة كخدمة ويطرحها في السوق، ولن أقول إن هناك تراجعا أو تقدما للكتاب في معرض الكتاب لهذه السنة، ولكني سأقول إن الكتاب مازال بخير، وهنا لا بد من العمل على مشروع لصناعة الثقافة وإعادة تصور استراتيجيات السوق المطروحة لتقديمها كمنتج جذاب يسعى إلى استقطاب كافة شرائح المجتمع. ولكن يجب أن نتعرف على كيفية صناعة الكتاب وهل هي مجدية اقتصادياً للكاتب، نحن نعلم أن الرابح الأكبر في صناعة الكتاب في العالم العربي هو الناشر، والكاتب غالباً هو الحلقة الأضعف ولا يجني من الكتاب ربح مادي، وعملية اكتمال الكتاب منظومة تمر بالآتي:
المؤلف، فالناشر، الموزّع المكتبي، الناقد، فالقارئ. وعلى أساسها يمكن فهم عملية طبع ونشر الكتاب سواء، ولكن الأسئلة المطروحة: ما هو دور المؤلف في عملية صنع الكتاب في العالم العربي؟ وكيف يعملون من يشتغلون في حقل الكتابة والطباعة والنشر والتوزيع؟ هل هناك قراء حقيقيون ممن يتابعون حركة النشر بحب واهتمام؟ إن صناعة الكتاب أخطر صناعة فهي ليست مثل صناعة المنتج حسب تفضيلات وذوق المستهلك، بل خطورتها تكمن في توجيه المعارف والمعلومات بشكل يتماشى مع الهدف الذي يرسمه المؤلف أو مجموعة المؤلفين، أو ممن يكتب له الكُتاب والموجّهون. لذلك نرى في العالم المتقدم أن الساسة يضعون صناعة الكتاب ضمن اهتمامهم واستراتيجياتهم، مثلها مثل الأمن الغذائي، والبيئة، والصحة، مع الملفات الحساسة. والواقع أن معارض الكتب بدل أن تكون مكانا للقاء بين الناشرين والمؤلفين، تحولت إلى ساحة تجارية من يبيع أكثر ومن يرفع الأسعار أكثر، وهذه أكثر شكاوى الزوار، ولكن بشكل عام ماتزال معارض الكتب متوهجة وجميلة وعرس ثقافي نحتفل به كل عام.