هل تحتاج للمساعدة؟
يعتبر القلق شعوراً مزعجا والقليل منه أمر صحيّ للإنسان وباعث إيجابي له، ولكن عندما يعيق هذا الشعور الإنسان عن أداء عمله اليومي، ويعيق استمراره ويجعله يخوض صراعا مع نفسه هنا يجب أن نتساءل: كيف لنا أن نتعامل مع القلق الذي يشتت الانتباه ويبعثر الذهن، هذا الوحش الذي يفتك بنا دون أسلحة، ويهزمنا دون معارك، إن فنية التعامل مع القلق الذي يحصل لنا والذي ينتج من السمة التراكمية للمخاوف والمواقف السابقة التي ترسبت في الذات هو إعادة إنتاج لموقف كئيب نخاف أن يتكرر لنا وينشأ عنه مخاوف مستقبلية، فيصبح الشخص قلقا هشا سهل التشتت، وعليه أن يركز انتباهه بشكل فعال في سؤال الامتحان أو في مقابلة العمل، ونحن نعلم أنه على المدى الطويل يعتمد الأمر على الصلابة الذاتية، ولكن بعض القلق لا يمكن التحكم به يصبح مزمنا وينهك الشخص ويستنفذ كل طاقته، فالقلق ليس آلية نفسية فقط بل أحياناً هو استراتيجية يلجأ إليها الشخص لبناء توقعاته واستشراف مستقبله.
واتفق مع سوفوقليس عندما قال: ”بالنسبة إلى الخائف، كل شيء يُصدر حفيفاً“، بمعنى أن هناك إعادة إنتاج دائم للتوجس والقلق غير المبرر أحياناً، وفي حالات القلق قد يصيغ الإنسان نوع العلاقة التي تربطه بوعيه، ربما ينطلق فعل القلق من حاضر له تصوراته وتوقعاته، وهذه العملية لا يمكن أن تتم بمعزل عن مؤثرات الحاضر من مجتمع وتقنيه وغيره، فيستدعي قلقه من خلال ماضيه وصلته بالمستقبل، يقال إنه في فبراير عام 63، عرف صديق الفيلسوف الروماني «سينيكا» الذي قاسى مآسٍ شخصية، وواجه كوارث هائلة في حياته، «لوسيليوس»، الذي يعمل مسؤولاً مدنيًا في صقلية، أن ثمة دعوى قضائية ضدّه قد تنهي عمله وتشوه اسمه إلى الأبد. فكتب إلى «سينيكا». رد الفيلسوف: ”قد تتوقع أنني سأضحك بتخيل نتيجة سعيدة، وأن تستسلم لإغراءات الأمل، ولكنني سأدلك إلى راحة بال عبر طريق آخر ويمكن تلخيص هذا في نصيحة: لو أردت نفض كل القلق، تخيل أن ما تخشى وقوعه سيقع فعلاً“.
هنا يؤكد لنا «سينيكا» أن كل تداعيات القلق والخوف من المجهول تأتي عند عدم تقبل أن يحدث لك الأسوأ، فالتوقعات الوردية والحالمة هي التي تحدث هذه الفجوة للجانب الآخر من الحقيقة وهذا يجعله ممهدا للسؤال الحار والحائر الذي يضطلع به الواقع عبر كيف نهذب الذات التي تنزع إلى الخوض في معرفة وعيها دون خداع أو زيف وقت القلق؟ وهل القلق مرتبط بالأثر المادي المنقضي، بمعنى ارتباط القلق بالراحة؟ فالمتعارف عليه أننا نقرأ القلق من خلال الحلم واللاشعور، وهذا التماس بين الوعي واللاوعي يستحضر الذات من منظور إنساني يتقاطع مع الواقع الذي يميزنا عن الآخرين.
الواقع أنك قد تسلخ من عمرك سنوات كثيرة لا نجاز شيء ما ويأتي القلق ليعيق انجازك بكل بساطة، وهنا يأتي دور علماء النفس فهم شركاء رئيسون في صوغ ما يحدث للنفس البشرية، والحفاظ على حياة الفرد ونفسيته، وإنماء وتوليد الاحتمالات، وبسط سلطان العلم ليخدم هذا الشيء اللامرئي. إن كل شيء إلى زوال، ولعل ما يميز جوهر الوعي يتمثل بالتفكير والتأمل في النفس والوعي بالذات ومعرفة نقاط ضعفها قبل قوتها ومحاصرة القلق السلبي الذي يجمد دم الحياة فينا، هي مهارة شخصية أولاً للتعرف على ذاتك وما يقلقك، وإذا تضخم الأمر فأعلم أنك تحتاج للمساعدة.