آخر تحديث: 21 / 12 / 2024م - 5:28 م

الثغرة الأخلاقية

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

لقد ابتكر البشر مع الوقت كل ما اقتضت الحاجة لإيجاده. مثلا النار للطبخ والتدفئة، السكن للحماية والإحساس بالأمان، العربات للتنقل، الطائرات للسفر وكذلك القوانين أيضا لم توضع وتفرض إلا لحاجة بشرية وهي تنظيم حياة البشر في المجتمع الواحد، وتعاملاتهم مع بعضهم البعض، بما يضمن حماية الفرد، حرياته، ممتلكاته واعتقاداته وحماية المجتمع ككل، إضافة لإيجاد حلول للنزاعات بين أفراد ذلك المجتمع.

وضع القوانين يذكرني بقصة سور الصين العظيم التي يعرفها أغلبنا. عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان، بنوا سور الصين العظيم الذي يبلغ طوله 21 ألف كيلومتر وعرضه من 4,6 إلى 9 أمتار وارتفاعه من 3 إلى 8 أمتار. وقد كان حصنا منيعا وخط دفاع عسكري قويا بذل فيه الصينيون أرواحهم لبنائه ورغم كل الجهود المبذولة ورغم ضخامته وقوته إلا أنه لم يقم بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الأعداء لأنه خلال المائة سنة الأولى بعد بنائه، تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات. وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو في حاجة لاختراق السور أو تسلقه، بل كانوا فقط يدفعون للحارس رشوة ويدخلون عبر الباب بكل سهولة. لقد ركز الصينيون لسنوات طوال اهتمامهم على بناء السور ونسوا بناء الإنسان الذي يحرس ذلك السور. بالضبط هو الحال مع وضع الإنسان للقوانين. وضع القوانين هو كبناء سور ضخم ورشوة الحارس هي الثغرة الأخلاقية.

يردع القانون الموضوع ضعاف النفوس وميتي الضمائر، لكن للأسف هنالك من يستطيع التحايل على القانون وبالقانون وهذه هي بالضبط الثغرة الأخلاقية التي أتحدث عنها. أشخاص يفهمون القانون جيدا لكي يعرفوا من أين تؤكل الكتف ومن أين يستطيعون اختراقه بدون أن يمسك عليهم أي ممسك قانوني. وهي ثغرة بشرية أخلاقية خطيرة تكمن خطورتها في صعوبة الوصول إليها لأنها متأصلة في ضمير الإنسان، وكونها لا تخضع للقوانين العالمية المعروفة إنما تعتمد على قناعة الإنسان بأن ما يقوم به خطأ، ثم قراره بالتوقف أو الاستمرار. ويعتمد إغلاق تلك الثغرة على تربية الشخص، خوفه من العاقبة الأخلاقية، وأخيرا صدقه مع نفسه ورغبته في أن يعيش نزيها.

ولذلك، يجب علينا أن نسعى لتربية الإنسان تربية أخلاقية راقية تصنع جيلا يحترم نفسه والآخرين بمن فيهم المختلفون عنه، جيلا واعيا يفهم معنى الحرية بدون انحلال أو هدم للقيم الأخلاقية والإنسانية الأصيلة، جيلا مثقفا، متطورا، متكاتفا، منتجا، يطبق القانون بما يقتضيه الصالح العام، وبدون أي ثغرات أخلاقية.