آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

هي الأخلاق لا الأوراق!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

في دراسة اجتماعية قامت بها جامعة كاليفورنيا سنة 1940م، وضعوا مجموعة من الطلاب في ثلاث فئات. الفئة «أ»، وهم الطلبة ذوو التحصيل العلمي المرتفع والدرجات الدراسية الممتازة، والذين فضَّلوا الانكباب على الكتب على حياتهم الاجتماعية، وفئة «ب» وهم الطلبة ذوو التحصيل العلمي الجيد جدًّا والحياة الاجتماعية المتوازنة، وفئة «ج» وهم الطلبة ذوو التحصيل العلمي الجيد والحياة الاجتماعية النشطة.

بعد مرور أربعين سنة، تواصلت الجامعة مع الطلبة لتعرف ما آلوا إليه؛ لتجد أن الطلبة من فئة «أ» يعملون في شركات يديرها طلبة فئة «ب»، ويمتلكها طلبة فئة «ج»!

وعند التحقيق في الموضوع اكتشفوا أن طلبة الفئة «ج» كانت علاقاتهم الاجتماعية ممتازة، بينما طلبة فئة «أ» كانت علاقاتهم بالكتب والأوراق ممتازة، وعندما خرجوا للحياة اكتشفوا أن ما يسيِّر هذه الحياة هو الأخلاق لا الأوراق!

لقد أخبرنا النبي الكريم عن امرأة بغي دخلت الجنة في كلب سقته، وفي المقابل دخلت امرأة أخرى النار في هرة سجنتها، لا هي أطعمتها ولا سقتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض! هي الأخلاق مرة أخرى جاءت في صورة رحمة.

لماذا قال ”سبحانه وتعالى“ للنبي: «وإنك لعلى خلق عظيم»، ولم يقل وإنك لعلى شكل جميل أو علم كثير أو مال وفير؟ ولماذا قال الرسول الأعظم: «إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»؟ إن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على أهمية الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع، ومدى صعوبة أن يكون الإنسان على خلق، وأن يقاوم أهواءه، ويكبح شهواته وطمعه. فلا يوجد ما هو أصعب من جهاد النفس وهو الجهاد الحقيقي.

لماذا الأخلاق مهمة؟ تكمن أهمية الأخلاق في خلق الانضباط والتوازن في المجتمع بضبط سلوكيات وممارسات أفراده بما يضمن حقوقهم، ويحقق العدل والإنصاف للجميع، زيادة قوة المجتمع وحصانته بسيادة العدل ومحاربة الفساد، وغرس وتعزيز مكارم الأخلاق بصفتها المحرك الأساسي للأفراد الذي يعزز الثقة بينهم، فلا يخاف الشخص على نفسه من الظلم أو الغدر والخيانة. تساعد مكارم الأخلاق على الوصول للاستقرار على مستوى الفرد والمجتمع، وذلك بتقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، والتشجيع على التكاتف والتعاون والحب والأخوة والإيثار.

تساهم الأخلاق في نهضة الشعوب، وتكوين حضارات إنسانية راقية، وبناء أفراد ومجتمعات واعية.

وأخيرًا.. أذكر أن القانون سيعاقب مَن أجرم إذا لم يتحايل على القانون، لكن الأخلاق ستمنعه أن يجرم، فليس المطلوب أن يكون في جيبك قرآن، بل المطلوب أن تكون في أخلاقك آية!