آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

«الأمل الوردي - محاربة السرطان»

ليالي الفرج * صحيفة اليوم

حتما، إنَّ الرسائل التي تُبعث من رحم التجربة هي أكثر وقعا من التنظير الفارغ من ملامسة واقع مُعاش، هنا مجموعة نقاط وإضاءات من خلال تجربتي في محاربة السرطان، وأتمنى أن أقدم باقة مورقة بالأمل والتطلع للحياة المشرقة بالإيمان تحت ظل رحمة الله التي تتسع لكل شيء في هذه الحياة، فلا عتمة ولا مستحيل لتخطي هذه التجربة بنجاح، والتشافي، فالأقدار بيد الله وحده، وما الحياة إلا مسرح الأبدية، يديرها ويرسمها الحُكم والتقدير الإلهي، أما نحنُ فشخصيات على خشبة ذلك المسرح. نختار أدوارنا لنبدأ مشوارنا بخطى ثابتة باليقين بالله تعالى ثم بالإيمان بقدرة وفكر وعلم الإنسان في مجال الطب والصيدلة، فالطب لم يعد بإمكانياته المحدودة، بل عجلة الابتكار والاختراع في ديمومة وتقدم، وأدت التطورات البحثية إلى تحسين العلاج لجعله أكثر فعالية وأقل من ناحية الآثار الجانبية، وأيضا ارتفاع نسب الشفاء التام والعودة للحياة السابقة. «وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.

وتجدر الإشارة إلى نقطة فاصلة، ألا وهي أنَّ تنوير العقل والوعي من أهم بدايات مواجهة كل هاجس يشغل النفس ويربكها. وينبغي الحذر من استقاء المفاهيم المغلوطة أو غير الدقيقة، عن رحلة علاج السرطان، سواء عن طريق بحر الإنترنت الذي يبتلع في بطونه ما صحَّ وما لم يصِّح من معلومات، أو حتى كون مصدر هذه المعلومات هم أفراد في دائرة المحيط الخاص، ويحملون من المعلومات والصور الداكنة لهذه الرحلة، فربما من تجارب الأقارب غير الناجحة أو من قصص وردت على المسامع من مصادر أخرى مختلفة تأخذ قالب التهويل والتخويف، كلّ ذلك حرِّيٌ به أن يسمح للمشاعر بالإرباك والشعور بالرعب من مجرد التفكير في هذا المرض فما بال من هو في مواجهته ومحاربته! كل تلك المعلومات غير الدقيقة، ترسخ صورة مغلوطة في الذهن، وكأن الصورة معتمة عتمة أبدية ودون بوابة ولوج مشرعة لحياة طبيعية حافلة بالأمل والثقة بالله، فالوعي صمام أمان للصحة النفسية من جهة، وصحة الجسد من جهة أخرى، وبالتالي قوة المواجهة مع هذه التجربة المتفردة بكل مراحلها وتفاصيلها.

إن مبدأ مفترق الطرق «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» هو الأساس لبداية الحياة والمرحلة التي سيألفها ويخوضها المحارب بكل أبعادها، إنَّ اعتناق الأمل هو حياة عظيمة وناجحة ومشحونة بالمشاعر المحفزة في مقابل كل قضية تعترضنا في حياتنا. الأمل لوحة إرشادية عند مفترق طريق، فلك أن تختار طريق الحياة المورقة بالثقة بالله، والتي تغدق عليك بجمال النعم والمنح الإلهية؛ أو تختار طريق الحياة الشائكة بالشك وعتمة الشعور.. إنّ الثّقة بالله يقابلها في جوهرها حسن الظن به، وذلك يتأتّى باليقين التّام العميق بأنّ أمورنا كلّها خيرٌ من الله تعالى، وعلى العكس تماما سوء الظن بالله وتخلخل الثقة بقدره وقدرته؛ ينتج خسرانًا كبيرًا، ودليل ذلك قوله تعالى: «وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُون* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِين».

حين يُقدر الله لأحد مواجهة هذا القدر أو أي قدر يثقل صاحبه، فالله يتطلع لسمو عبده وبراعته في ترتيب أوراقه المبعثرة وأفكاره المشوشة، وبراعته في رسم الخطوات التي يرتقي بها ولا ينحدر في عمق اليأس والتيه. فالثقة بالله هي الانتصار مع الأخذ بالأسباب في أمرٍ معيَّنٍ، فلن يضيع الله ظنّه الصّالح «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» ممّا يعني وجوب إحسان العمل مع إحسان الظن بالله تعالى والثقة به فوز وبلوغ المبتغى المقدر في عالم الملكوت.

وبكل تأكيد، إنَّ مزامنة العلاج الطبي بالعلاج الروحي وفلترة وجهات النظر الإيجابية من السلبية التشاؤمية، له من الأثر البالغ في رفع مستوى المناعة وتهيئة الجسم في المواجهة الفعلية لمحاربة الأمراض، فالكون ليس له وجهة نظر لكنه يتشكل نحوك كما هي وجهة نظرك أنت، فنحن نجذب ما نتوقعه وما يأخذ حيزا من تفكيرنا، فيترجم حرفيا في واقعنا - بقدرة الله ومشيئته - قد لا نستطيع التحكم في الظروف، لكن نستطيع التحكم بأفكارنا وتوقعاتنا. فكما في المأثور، يا ابن آدم تبسم فإن الله ما أشقاك إلا ليسعدك وما أخذ منك إلا ليعطيك وما أبكاك إلا ليضحكك وما حرمك إلا ليتفضل عليك وما ابتلاك إلا لأنه يحبك.

الإرادة في الحقيقة هي الفكرة، والعزيمة هي الروح، وكانت فكرتي أن أهزم كل تفاصيل هذه الحرب في مواجهة السرطان بعزيمتي في أن ينتج قلمي واقعا ملموسا، فاختلط حبري بالورق وبكل لحظة قوة ووهن للتغلب على المرض، وأنتجت ثلاثة إصدارات في أصعب مرحلة في مواجهة المجهول. إصدارات لامعة، خالط حبرها روحي وعقلي وأحاسيسي المتقدة بشمعة الأمل والإيمان برحمة الله.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.