آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 7:29 م

هل تريد أن تصبح شاعرا أم نجما؟

محمد الحرز * صحيفة اليوم

حتى تصبح شاعرا مبدعا يشار إليه بالبنان، وتلهج بذكره الألسن، وتصفق له الأيدي، وتكتب عنه الأقلام، حتى يظن أن المتنبي بعث من قبره في حلة جديدة، ما عليك سوى أن تفكر ليل نهار كيف تجلب إلى حسابك في السوشيال ميديا الكثير من المتابعين؟ وتفكر أيضا كيف تبهرهم بمقولات كبرى ساحرة ومؤثرة، مستجلبة من هذا الشاعر الكبير أو ذاك الناقد المشهور أو المفكر العالمي؟ إلى أن يعتقد متابعوك باستشهادك بمقولات هؤلاء الكبار من المبدعين والمفكرين أنك هاضم هؤلاء في وجبة واحدة، ليس ذلك حسب، لكنك أيضا بالع عظامهم من فرط فهمك لهم، ومعرفتك بأسرار ما أنتجوه من إبداع.

طبعا آخر ما يمكن أن يفكر فيه مثل هذا الشاعر القصيدة نفسها الذي يدعي أنه يتقن اللعب على أساليبها اللغوية، ويسمي هذا الإتقان تجديدا، أو أنه يتقن لغة أجنبية «إنجليزية أو فرنسية» ويصبح على أثرها مترجما للشعر لا يشق له غبار.

هو بالتالي أقصى ما يمكن أن يفكر فيها باعتبارها حلبة مصارعة لا أقل ولا أكثر، ينازل هذا الشاعر أو ذاك، على شاكلة المسابقات أو المناسبات، أو ينازل فيها متحديا الآخرين، كي يؤكد فيها على إثبات وجوده أو ذاته، ولا شيء آخر غير ذلك، وكأن الشعر مجرد فكرة طارئة يستعين بها للترقي في سلم القيم الاجتماعي والثقافي.

وما ينطبق على حال الشاعر في لحظتنا الراهنة، ينطبق كذلك على كافة المجالات الإبداعية الأخرى، لأن الحياة المعاصرة بتقنياتها المتطورة والسريعة أدخلت الإنسان في شبكة معقدة من العلاقات أشبه بالأخطبوطية التي لا تؤثر فقط على شكل المعيش الخارجي للإنسان، وإنما على أدق تفاصيل حياته الداخلية من مشاعر الحب والكره والحزن والفرح والجنس والقناعات وما يرتبط بها من أفكار.

لذلك لا تظن أيها القارئ العزيز أنني بكلامي هذا «التهكمي كما يظن» أعني شخصا بعينه أو نموذجا استحضره في ذهني أثناء الكتابة، فمثل هذه الحالة تستعصي على النمذجة من كثرة ما أصبحت تقليدا نمارسه في حياتنا اليومية.

ما الذي يعنيه أن تتحول الحالة الإبداعية في المجتمع «سواء كان شاعرا أو روائيا» إلى حق مشاع للجميع؟!

مبدئيا هو حق مشاع للجميع، حتى لا يأتي أحد ويعترض علينا. لكن ثمة تفصيل هنا، ففي حياة كل فرد من أفراد المجتمع، في لحظة معينة من لحظات حياته، مارس هذا الحق، تعبيرا عن موقف أو وصفا لحادثة معينة مؤثرة خاصة، وقد يأتي تعبيره عفويا شفهيا أو مكتوبا إذا كانت عنده بوادر الموهبة والإبداع.

إلى هذا الحد والأمر يصبح مقبولا في إطار السمات العامة لأي مجتمع.

لكن ما لا يمكن القبول به، حين تكرس نفسك وتهيئها في جل حياتك، كي تصبح شاعرا أو كاتبا أو روائيا، فهذا الأمر غير مشاع للجميع، وما يزيد الأمر أكثر صعوبة في التفريق بينهما، مقارنة بالماضي من الثقافة الإبداعية الاجتماعية الذي عاشته الأجيال السابقة، هو تأثير الشبكة العنكبوتية على حياة كل فرد من أفراد المجتمع من العمق، بحيث أصبح من السهولة بمكان، طبعا بمساعدة أذرع الشبكة وتقنياتها العالية، على مستوى التواصل والتفاعل والشهرة والسرعة، أن تصبح شاعرا أو روائيا أو حتى كاتبا في يوم وليلة، حتى أنني فكرت وأنا أتصفح إعلانات أصحاب الكتب لمعرض الرياض أن جميع الناس أصبحوا كتابا دفعة واحدة، ولولا أنني شاهدت بنفسي تدفق الناس بكثرتهم الكارثة، لظننت أن القارئ اختفى ولا يوجد في المعرض سوى الكتاب فقط.

الاستثناء في الحياة هو أن تصبح شاعرا، وهو عملة نادرة في أغلب المجتمعات، ولا يمكن إدراك هذه الحقيقة إلا بالنظر إلى تاريخ هذه المجتمعات، ألم يكن هوميروس أهم من أفلاطون عند الإغريق؟ ألم يوجد في عصر شكسبير ومن ثم دانتي شعراء عاصروا هذين العظيمين ومن ثم اختفوا في دهاليز التاريخ؟ ألا ينطبق ذلك على المتنبي في تراثنا الأدبي والمعري وابن الرومي وقبلهما امرؤ القيس.

لذلك حين تريد أن تكون شاعرا عليك أن تعيش الحياة بصمت الرهبان، ومكابدات المتصوفة، وتطلعات الأنبياء، وهواجس البسطاء وتفكيرهم.