آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 1:22 م

«أين ميسي» ومشاعر الابتهاج والفرح

محمد الحرز * صحيفة اليوم

ردود أفعال الجماهير العربية الفرحة أعقاب فوز المنتخب على الأرجنتين لا تقف عند حدود الرياضة فقط، بل تتجاوزها إلى ما هو أصيل في الشخصية العربية، ألا وهو الانتماء العربي.

وإلا كيف يمكننا وصف مشاعر الحماس والفرح التي أظهرها الجمهور العربي من الخليج إلى المحيط حول هذا الفوز، إلا بالإشارة إلى هذا الانتماء؟!

طبعا كل حدث فيه انتصار للأمة العربية أو فيه انتكاسة لهم، سواء كان الحدث رياضيا أو سياسيا أو إنجازا ثقافيا أو علميا، تجد الفرح ذاته أو الحزن ذاته يعم الجمهور العربي صغيره قبل كبيره، ضمن مشاعر عفوية لا يمكن تأويلها بربطها بواحدة من الأفكار الكبرى التي نظرت للأمة العربية ووحدتها في لحظة الاستقلال وما بعدها، بل يمكن تفسيرها دون تنظير بلاغي بالإحساس الفطري بوحدة المصير المشترك في التاريخ والفضاء الجغرافي والثقافي والديني، وهذا ما يدركه كل فرد عربي في وجدانه قبل عقله.

لذلك ليس بمستغرب أن تعم الاحتفالات أرجاء الوطن العربي بالزخم الذي رأيناه.

لكن هل هذا هو السبب الوحيد الذي يفسر هذه الاندفاعة في المشاعر لا سيما وأن الحدث رياضي لا يقارن بأحداث لها علاقة بالسياسة أو الاقتصاد؟

لقد جاء تنظيم قطر للمونديال العالمي باعتباره تحديا كبيرا، ليس لقطر أو الخليج فقط، بل للعرب أجمع، وقد تألقت قطر في تنظيمه وما زالت، وكانت على قدر التحدي والمسؤولية، رغم العقبات التي وضعتها بعض الدول الغربية أمامها، والتي كان منها التشكيك في قدرة قطر على نجاحها في تنظيم مثل هذا الحدث الكبير، واتهام الفيفا بالمجاملة والمحاباة بسبب المال القطري.

يضاف إلى ذلك النظرة العنصرية عند سياسيي الغرب ونخبها للعرب والمسلمين الذين لا يرون فينا سوى شعوب ودول متخلفة، لم تحقق على سبيل المثال إنجازا رياضيا كبيرا لا على مستوى كرة القدم ولا على غيرها من الألعاب.

لذلك يمكن وضع هذه الاندفاعة في المشاعر ضمن هذا الإطار باعتباره ردا طبيعيا وسلوكا عفويا من الجماهير العربية ضد هذه النظرة المملوءة عنصرية وكراهية الصادرة من هذا الغرب، والتي نراها طافحة في وسائلهم الإعلامية.

ويمكن وضعها أيضا ضمن الحاجة الملحة للفرح والابتهاج ومظاهره الاحتفالية، خصوصا وأن إقامة بطولة كأس العالم، في نسختها الحالية، جاءت بعد سلسلة من الأحداث السيئة التي اجتاحت العالم بأسره، منها وباء كوفيد الذي سلب أرواحا كثيرة من البشر، وحرب أوكرانيا وما سببته من أزمة اقتصادية خانقة، يسبق كل ذلك، الحالة المزرية التي عاشتها وما زالت الأوطان العربية جراء ما عصفت بها من أحداث دموية سادت منذ عام 2011 وما بعدها.

وهذا ما يفسر أيضا مظاهر الاحتفالات المختلفة التي شهدتها الدوحة لمشجعي الفرق المشاركة. قد تكون مثل هذه المظاهر هي من العادات المصاحبة لكأس العالم كما في الدورات السابقة.

لكن الخصوصية التي تتميز بها هذه الدورة، علاوة على ما ذكرنا سابقا، حضور تأثيرات برامج السوشيال ميديا. فقد كان الإعلام الرسمي من صحف وقنوات يتحكم في بث ما يجري في الملعب، وما يجري في خارجه، يتحكم في اللقطات يبث منها ما يوافق توجهه أو هواه، ويحذف منها ما يخالف توجهه.

أما الآن فإن كاميرا الجوال في يد كل فرد من المشجعين الذين يملؤون مدرجات الملعب، وفي جميع الزوايا، وهي حاضرة في كل ثانية، وفي كل دقيقة، تلتقط ما يجري في الملعب وخارجه أيضا في بث حي ومباشر.

فأنت لا تشاهد المباراة عبر كاميرات البث الرسمي فقط، وإنما تشاهد أيضا الدراما المصاحبة لها، من خلال ردود أفعال المشجعين وتعابيرهم وصخبهم وحواراتهم داخل الملعب وخارجه، وهذا ما لم يتوفر سابقا.

لذا عندما فجرنا مفاجأة الفوز على الأرجنتين كان الحدث تاريخيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكان مهيأ أن يتحول إلى حدث مرئي، تنقله كاميرا الجوالات عبر تطبيقاتها إلى كل دول العالم مطبوعة بنكهة الشارع، العفوية والبساطة والتناقض والتنوع واختلاف المظاهر والسلوك هي ما يميز هذا النقل الحي للحدث، ألا تكفي عبارة «أين ميسي» على لسان أحد المشجعين السعوديين دليلا على اختطاف كاميرا الجوال كل اهتمام وتألق من الإعلام الرسمي؟!