آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

تعدد المعنى

حسن آل جميعان *

تمتعض بعض المجتمعات من مفاهيم ومصطلحات تحمل أبعادا ومعاني متعددة، وتميل إلى القطعي والأحادي، وهذا نتيجة الثقافة المهيمنة على التفكير الاجتماعي العام، وبسبب طبيعة هذه الثقافة فإن الأحادية وعدم قبول المختلف المغاير تكون السمة الأبرز للمجتمع، مما يجعل مفاهيم مثل التعدد والتنوع غير مستساغة ومرفوضة ولا تتماشى مع المزاج الاجتماعي الحامل لتلك الثقافة، لذلك عنوان المقالة قد يكون غير مرحب به في هذه الثقافة.

تعدد المعنى يعني بالضرورة قبول التنوع والتعدد والاختلاف ورفض الأحادية وعدم التسامح، وأي محاولة احتكار للحقيقة تجعل من تعدد المعنى معرضا للخطر ولا قيمة له، لأن هذا المفهوم بحاجة إلى فضاء يتمتع بالحرية ومنفتح على جميع الآراء المختلفة ويقبل التفكير المغاير، ويكفل حق كل فرد من المجتمع أن يعبر عن نفسه من دون عوائق ومنغصات قد تهدد المساحة التي يكفلها تعدد المعنى.

وحين التأمل في تاريخ تشكل المذاهب الدينية الإسلامية وغيرها التي ما تشكلت وظهرت للفضاء الاجتماعي العام إلا بسبب تعدد القراءات الذي ولد تفسيرات ومعاني متعددة جعلت من كل مذهب وجماعة تشكل هويتها الخاصة والمختلفة عن المذاهب والجماعات الأخرى. ومع مرور الزمن أصبحت كيانات مستقلة لكل مذهب نظريته وقراءته الخاصة التي تميزه عن غيره من المذاهب. تعدد المعنى للنص الديني هو الذي سمح لهذه المذاهب بالتشكل والتبلور، ولو لم يكن النص يقبل هذا التعدد لما وجدنا كل هذه المذاهب والجماعات الدينية. النص واحد لكن القراءات مختلفة ومتعددة والسبب في ذلك أن النص أي نص يقبل تعدد المعنى ولا يجد غضاضة في ذلك بل يعتبره مصدر قوة للنص وليس مصدر ضعف وتهديد كما يتصور.

وتعدد المعنى ينطبق على كل شيء تقريبا، حيث لا يوجد شيء إلا وله معان متعددة وتفسيرات وقراءات متنوعة ومختلفة، خذ هذه الأمثلة ك «الحقيقة، الدين، المساواة، الحرية، العدالة،...» وسوف ترى حجم التعدد والتنوع في المعنى لكل قيمة من هذه القيم.

وعليه تعدد المعنى يجعلنا نعيد التفكير في خياراتنا وتوجهاتنا الثقافية والفكرية وغيرها من دون تعصب، ويدعونا إلى احترام الآخر المختلف عنا دينيا وثقافيا. من دون الرغبة في إقصائه أو الاعتداء عليه بدعوى امتلاك الحق أو أي مبرر آخر يقول ماكس بورن: ”الاعتقاد بامتلاك الحقيقة الوحيدة ومعتنقيها هي الأساس العميق لكل الشر في العالم“.