أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ..!
عش وتأمّل، فما عشتَ أراك الدهرُ عجبًا، ومن العجائب أكل الإنسان أخاه الإنسان بصورةٍ حضاريّة!
أكل لحوم البشر بالأنجليزية cannibalism وتسمى أيضًا anthropophagy وترجمتها «أكل لحم الجنس ذاته»، وكلمة cannibalism مشتقة من كلمة كاريب الأسبانية التي تصف قبائل «كاريب» الهنديّة التي تحدث عنها المستكشف كريستوفر كولومبوس.
بحلول عام 2027 م، سيكون لدى سكّان غولدن ستيت - Golden State - في الولايات المتحدة الأمريكيّة خيار تحويل أجسامهم إلى سمادٍ للنباتات. انضمت كاليفورنيا إلى عددٍ متزايد من الولايات التي تسمح للسكان بتحويل أجسادهم إلى سمادٍ بعد الوفاة. أصبحت واشنطن أول ولاية في أمريكا تقنن التسميد البشريّ في عام 2019 م، تلتها ولاية كولورادو وأوريغون في عام 2021 م. وأجَازت ولاية فيرمونت هذه الممارسة في يونيو 2022 م.
ليس عندي رغبة في شرح الطريقة - المعيبة - التي يتحول بها جسدُ الإنسان إلى تربة، ياردة مكعبة من السماد، في غضون 30 يومًا يمكن لأفراد الأسرة بعد ذلك استخدامه مثل أي نوعٍ آخر من السماد، يمزجونَه في فراش الزهور، أو يتبرعون به لنشره في مناطق الحفظ.
أنا وأنتم نريد أن نُدفن في أجمل زينتنا ”تنوقوا في الأكفانِ فإنكم تبعثونَ بها“. لا نريد أن نكون سمادًا في أصيصِ زهور ولا فاكهةً في فمِ لصّ!
كُلُّ ذَرَّاتِ هذهِ الأرْضِ كانَتْ... أَوْجُهًا كَالشُّمُوسِ ذاتَ بَهَاءِ
أُجْلُ عَنْ وَجْهِكَ الغُبَارَ بِرِفْقٍ... فَهْوَ خَذٌّ لِكَاعِبٍ حَسْنَاءِ
ماذا بعد فكرة تحويل الأحبّاء إلى كومةٍ من السماد؟ مجرد سلعة يمكن التخلص منها، لا تَحمي ولا تَحترم كرامة الإنسان! ولكي لا نظلم الحضارة الغربيّة هناك من يعترض وغير مرتاح لهذه الأنماط من الأفعال.
تعالوا لنرى في الضفة الأخرى من المحيط عند المسلمين كيف يكرم الميت:
من أجمل كرامات المسلم دفنه وليس حرقه أو تحويله إلى سماد. يُعلم إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له، لهم الأجر ولمَيّتهم الاستغفار.
لكن غيبة المسلم تشبه أكلَ لحمه ميتًا!
ضرب القرآنُ مثلًا بليغًا يجسد هذا الأمر - أكل لحم الإنسان - فيقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ . كرامة الأخ المسلم وسمعته مثل أكل لحم جسده ميتًا. كلمة ”ميتًا“ للتعبير عن أن الاغتياب إنما يقع في غياب الأشخاص، بذلك يكون مثلهم كالموتى، لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم، وهذا من أقبح الأفعال!
تشابه رهيب ومفزع بين الغيبة وأكل لحم أخينا ميتًا، أليس كذلك؟!
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ *** وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانَا