كم تحضرنا نعم الله في دعواتِ الزواج!
أسرّ كثيرًا عندما يتذكرني صديقٌ قديم ويدعوني لحضور زواج ابن أو حفيد، لكن إعجابي بما أراه عند حضور الحفل يتعاظم لأسباب كثيرة، منها:
نعم الله لا تعدّ ومن أجملها أن أجدَ نفسي والأصحاب الأعزاء القدامى - بعضهم لم أره منذ سنوات - كلنا في صحّةٍ وعافية نفسيّة وجسدية، نلتقي ونتذكر الأيّام الجميلة دون أن نفقد ذاكرتنا! بإمكان الله سبحانه أن يسترد هذه النعمة في لحظةِ ما يشاء أو جزءًا منها!
نعم الله كثيرة، الطعام وافر وشهيّ، نأكل ونشرب ونستلذ! في إمكان الله سبحانه أن يستردّ هذه النعمة أو لا يعطينا إياها أصلًا بأن نولد في حالةٍ من البؤس والفقر، ولا نستطيع أن نوفر لأنفسنا وأهلنا أو الأصدقاء الطعام الطيّب.
ما أريد أن ألفت نظر القارئ العزيز له ليس الأكل والشرب واللقاء فقط! بل إلى أصلِ نعم الله الوافرة التي ليست استحقاقًا لنا بل تفضلًا وابتداءً منه وهي كثيرة جدًّا، وليس فيها نعمة صغيرة ولا حقيرة أبدا! أدعك أن تتخيل كيف يكون فكرك وسلوكك ودينك لو ولدتَ في بيئةٍ أخرى، حالتك الاقتصاديّة والاجتماعيّة لو ولدت في بيئةٍ شحيحة الموارد. كل ما نستطيع أن نقوله: شكرًا لك يا ربّ على هذه النعم الوافرة واحفظها يا ربّ من الزوال!
شكر النعمة ليس لقلقة لسان ”الحمد لله“ فحسب، بل كل نعمة لها حقوق فعليّة، تبدأ بالمحافظة عليها ومشاركتها، علمًا أن في الدنيا من يتمنون هذه النعم أو بعضها. أعطيتنا يا رب أكثر مما نستحق فلك وافر الشكر على نعمك كلها وارزقنا الرضا والقناعة بما أعطيتنا.
عزيزي القارئ: كم منا يعتبر أن الصحة والمال نعمة وأمانة فلا يفرط فيها ويحافظ عليها؟ وقليلٌ من عبادي الشكور! في هذه الآيات قال المفسرون ما نصه: ”قال بعض العلماء: إن للشكر ثلاثة مراحل: الشكر بالقلب، بتصوّر النعمة والرضا والسرور بها. والشكر باللسان، وبالحمدِ والثناء على المنعم. الشكر بسائر الأعضاء والجوارح، وذلك بتطبيق الأعمال مع متطلبات تلك النعمة“.
﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ! في كل لحظة ملايين من النعم، وأكبر من تلكم النعم أنه سبحانه أرحم وأرأف من أن يؤاخذنا على عدم تذَكرها وشكرها عليها كلها. يكفينا العجز والاعتذار عن عدّ نعمك وشكرك عليها - أو بعضها - يارب. أقول لكم وأنتم مقتنعون، ماذا عسى أن يعد الإنسان من النعم؟! فهي كما قال الإمام علي بن الحسين : ”فَكَيْفَ لي بِتَحْصيلِ الشُّكْرِ وَشُكْري اِيّاكَ يَفْتَقِرُ اِلى شُكْر، فَكُلَّما قُلْتُ لَكَ الْحَمْدُ وَجَبَ لِذلِكَ اَنْ اَقُولَ لَكَ الْحَمْد“.
أقول لنفسي ولكم: استمتعوا بنعم الله واشكروه عليها! إن ما نراه من وفرتها عندنا وشحتها عند غيرنا ليس من اختيارنا وليس لفضلٍ فينا على غيرنا، إنما هو امتحان لنا، فهل نشكر النعم أم نكفر بها!