متقاعد؟ لا تحقرن أشغالك البسيطة!
تسأل صديقًا عن جدول أعماله في مرحلةِ ما بعد العمل الوظيفة ”التقاعد“، وتفاجأكَ النغمةُ الحزينة في صوته: لا شيء لا شيء! أنتَ مخطئ جدًّا، أنت تقوم بأعمالٍ جليلة ولا تحسبها. هات ورقةً وقلمًا وسجل ما تفعل، سوف تتيقن أنك تقوم بأعمالٍ رائعة طول اليوم، ولو استطعتُ لقلتُ لك: هذه الأعمال ”الصغيرة“ هي طريقك إلى الجنة! أيها العزيز: أنت توقفتَ عن العمل الرسمي، ولم تتوقف عن الحياة!
فخورٌ بأني متقاعد، وجدول أعمالي رتيبٌ جدًّا؛ أعتبر كلّ يوم ”مكرمة“، وأقسمه بين واجباتٍ شخصيّة واجتماعيّة وعائليّة. ببساطة هذا هو جدولي اليوميّ وأعتبر ذلكَ عبادةً وطاعة حين أعتني بصحة جسمي وعقلي، وأشارك في بعض المناسبات الاجتماعيّة والفروض اليوميّة - الواجبة - لا أكثر!
متقاعد، تصل إلى الله من الطريق الذي يناسب قابليتك وقدرتك. حتى التصبيحاتِ اليوميّة مع أصدقائك وأن تطمئنّ عليهم، أعتبرها بابًا وطريقًا إلى الله، ما لم تكن بابًا وطريقًا إلى الشيطان! شخص يتقرّب إليه تعالى بالصلاة، آخر بالدعاء، ثالث بقضاء حوائج الإخوان، رابع بالكدّ على عياله، خامس بطلب العلم وتعليمه، وسادس بصلة رحمه، وأنت تفعل هذه الأعمال وزيادة.
متقاعد، لا تحقرنّ طاعةً ولا تستصغر عملًا من أعمال الخير، فقد نُهي عن تركِ الخير لاستصغارِه - ورد عن الإمام الصادق : ”لا تستقل ما يتقرب به إلى الله عزّ وجل ولو بشقّ تمرة“. وعن الإمام عليّ : ”افعلوا الخيرَ ولا تحقروا منه شيئًا، فإن صغيره كبير، وقليله كثير“.
كن ممتنًا لله سبحانه كلّ يوم واعتبر هذه الأيام ”علاوة“ عمرية بدلًا من العلاوة الماليّة التي كنتَ تحصل عليها أيام العمل الرسميّ. الآن باستطاعتك أن تعمل بحرية، تقرأ وتكتب، وتعتني بنفسك وعائلتك، وتعتبر كل هذه الأعمال أبوابًا توصلك إلى الله.
الوقت سلة، املأها بأشياء جيّدة! الجواهر مهما صغر حجمها وخفّ وزنها، تبقى أعزّ وأغلى ثمنًا من قطعة ذهبٍ كبيرة الحجم وثقيلة الوزن! إن استطعت أن تقوم بأعمالٍ أكبر، طوبى لك! وإلا فما من عملٍ من أعمال الخير حقير. ولو اطلع القارئ العزيز على البشارات من الله لمن يعمل أعمالًا خيرة ”صغيرة“ لحمدَ الله وشكره ألفَ مرَّة على سهولة دخول الجنّة!
من الأسف أن نرى بعضنا يبالغون في توقعاتهم من أنفسهم ويلومون أنفسهم إذا استراحوا! حتى راحتك، مع الأصدقاء والعيال، عدها طاعة ما دامت ليست في معصية ولا تكن عدو نفسك!