آخر تحديث: 5 / 10 / 2024م - 10:01 م

عبادة التفاؤل.. لا تهملوها!

في هذا الصباح فكرت، قلت: يا ربّ ماذا أكتب اليوم؟ كانت الساعة السادسة صباحًا، لم يطل تفكيري طويلًا لأن الغيم تجمع وبعد قليل بدأت قطراتٌ من المطر تهطل فوق رأسي. ليس مطرًا عظيم القطر، لكن كان مطرًا كافيًا لغسل ما علق في الجوّ من ترابٍ كئيب يوم أمس. زاد المنظرَ بهجة مرور طيور مهاجرة، جاءت مملؤة بالآمال!

ألا يكفي هذا المنظر البديع أن نعبدَ الله ونشكره بعبادة التفاؤل؟ روي عن النبي ﷺ: ”تفاءلوا بالخير تجدوه“، وكان ﷺ كثير التفاؤل، نقل عنه ذلك في كثيرٍ من مواقفه. من جمال الإسلام أن لا مكان فيه للنظرةِ السوداوية والتطير وقطع الأياس. دين يزرع الأمل والرجاءَ بأن كلّ ليلٍ بعده نهار، كل ظلام بعده ضياء، كل مرضٍ يتبعه شفاء، كل فقر بعده غنى! لا يأس من رحمة الله.

كنت أقص على ابني الأصغر حكايات البؤس والفقر في سنوات طفولتنا، كما كان أغلب الناس، وكيف كانت الآمال تملأ كلّ فراغ. الحياة فيها - آنذاك - قتامة لولا أن نور الأمل كان على الدوام يبعث فيها الضياء. كلما أصبحت الحياة باردة، يذكرنا الأب والأم بالمثل القديم: ”تكبر العيال وتعمر الديار“.

عشم الكبار كان عشمًا وأملًا غير مكذوب! كبرت العيال وعمرت الديار. و”عيال“ اليوم عليهم أن يتمسكوا بالأمل الصادق المدفوع بالعمل. وإن اختلفت الأمور عن سنوات طفولتنا، حين كنا ”عيالا“، إلا أن القاسم المشترك هو ذاته؛ تعليم، عمل، زواج، سكن، أصحاب، أسرة وحياة مستقرة، كلها تأتي بإذن الله!

مع كل فصل تتجدد الآمال بأن ما دام النَفَس يتردد والقلب ينبض، والصحة في توازن، كل شيء بعد ذلك يهون ويسهل:

لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ *** ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ

فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ *** وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ

القارئ العزيز، انظر كم في هذا المشهد من تفاؤل واستبشار: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ! إشراق نور الله، صحائف، نبيون وشهداء، قضاء بالحق، لا ظلم. إذا كان المشهد بهذا الجمال كيف لا يكون لطفه - سبحانه - أجمل وأشمل؟!

ربِّ أوعدتني بأنَّ جزائي
لذنوبي العقابُ والنيرانُ

فتعجّبتُ من وعيدكَ هذا
وأنا باكتناهِه حيرانُ

أَعذابي بموطنٍ منك يخلو
دلّني أينَ أينَ هذا المكانُ؟

أم مكان تحلّه ومحال
حيثما أنتَ رحمة وحنانُ

مستشار أعلى هندسة بترول