آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

مواجهة الكراهية بالحب

كاظم الشبيب

عندما يغيب الحب بين الناس، قد تحضر الكراهية. التعايش والتواصل يكرسان الحب، بينما القطيعة تعزز الكراهية. لأن التواصل بين الناس يساهم في تعارفهم، تقاربهم، تفاهمهم، تزاوجهم، ومن ثم تبادلهم للمصالح والعمل المشترك على حماية أنفسهم. بينما منهج القطيعة يبدأ بالتباعد، ثم سوء الفهم والتفاهم، وبالتالي التنافر والخشية على الذات من الأخر. يحدث ذلك على مستوى الأفراد والجماعات. فأهل كل هوية ما دام احتكاكهم بالغير مستمر فهم وغيرهم مهيّأون للتعايش والمحبة لا للتنافر والكراهية. وهذا مما دعا الشاعر الإنجليزي جون كيتس «1795-1821» لقول ”الحب استمرارية ونقاء، والكراهية موت وشقاء“. [1] 

فمن تداعيات الكراهية بين الجماعات أنها تمسي دوامة تتضاعف قوتها، لا تتوقف ولا تنتهي، فكل كراهية تجلب أختها، وكل شتيمة تجلب أخواتها، وكل عنف لا يولد إلا عنف أشد منه. حينها لا يمكن أن يُصدق المتكارهون بوجود فرصة لحب بعضهم. لأن ”الحب يلهينا عن الاخطاء، أما الكراهية فتعمينا عن الحقائق“ كما يقول إيبا عزرا «480-440 ق. م» وهو أحد الأنبياء الإسرائيليين «480-440 ق. م». [2]  ويمكننا أخذ التجربة السنغافورية كنموذج لتحول التكاره إلى تعايش، ثم إلى محبة بين أهل الهويات المختلفة.

لقد كانت سنغافورة حتى العام 1965 مستعمرة إنكليزية، وكما في كل المستعمرات، كانت مختلف التجمعات المتعددة ثقافياً، منطوية على نفسها، وتمارس كل منها، بصورة مستقلة، عاداتها، ونظامها الداخلي، وآلية رقابتها وتماسك التجمع، ولكن دون أن يكون في داخلها أي تجديد ممكن. " إن تأسيس دولة سنغافورة، عام 1965، أدى إلى دينامية تاريخية حركت تجمعاتها كلها، كما أدى إلى تطورات جديدة على مستوى الهوية، يرافقها نظام اقتصادي منفتح على الخارج، ومبدأ الاستحقاق الفردي من خلال الترقية الثقافية والجماعية، بعدما تتحول الجماعة إلى خلاصة للتجمعات التي تعمل من أجل مصير تاريخي واحد، قائم على التضامن. ويسوغ هذا المصير التاريخي النجاح الاقتصادي، والفعالية السياسية، والحرية التعاقدية «Contractuelle»، بالإضافة إلى نظام تربوي يعترف بتعددية الجماعات، ويفرض لغة رسمية مشتركة تسمح بالانفتاح على العالم الخارجي الحديث، واللغة المقصودة هي الإنكليزية. [3] 

لذلك فإن السلاح النافذ والناجع لمواجهة الكراهية هو سلاح الحب. نعم هو سلاح يخرج من القلب ويصل إلى القلب. مفعوله كالسحر بين الناس والمجتمعات. أو كما يقول الزعيم الروحي البوذي بوذا: إن الكراهية لا توقفها الكراهية، فقط الحب يوقفها، هذه قاعدة عالمية. [4]  وفي المقطع المرفق شرح لتجربة التعايش بعنوان: سنغافورة نموذج للتعايش الديني والعرقي:


[1] [2] [4]  موقع حكم نت.

[3]  كتاب تساؤلات حول الهوية العربية، مجموعة من الكتاب ص 5 - 6