آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

هل للكرامة ثمن..؟

وسيمة عبيدي * صحيفة الرياض

قضيتنا لهذا الأسبوع حساسة جدا ومن أكبر وأقوى تابوهات المجتمع وأصعبها على الإطلاق! موضوع من الصعب التحدث عنه أو حتى الإشارة إليه، لكنه في نفس الوقت مشكلة اجتماعية وقضية أخلاقية من الدرجة الأولى.

يتعرض الكثير من الأشخاص لتحرشات جنسية وتعديات جسدية، وعندما أقول «أشخاص» فأنا لا أتحدث عن جنس بعينه أو عمر بعينه. وعلى الرغم من النسبة المرتفعة لحالات تعرض النساء للتحرش مقارنة بالرجال، إلا أن هنالك حالات كثيرة لتعرض الرجال للتحرش من قبل نساء أيضا. وفي بعض الحالات قد يضرب المتحرش جنسيا كل أنواع المبادئ والقيم والأخلاق والرحمة والإنسانية عرض الحائط ويستهدف حتى المخلوقات الضعيفة كالأطفال. أعلم أن الموضوع شائك ومحرج ومن الصعب على مجتمع مسلم محافظ ومتحفظ الحديث فيه، لكن دعونا نركز على مسألتنا الأخلاقية لهذا الأسبوع والمنبثقة من هذا الموضوع الشائك.

يعمل الكثير من النساء والرجال بجانب بعضهم البعض في بيئات العمل المختلفة بنظام واحترام، لكن يحصل أحيانا أن تضم تلك البيئات بعض المختلين عقليا ونفسيا وأخلاقيا فتصدر منهم تصرفات تخالف كل عرف وأخلاق في كل دين ووطن وزمان ومكان.

بطلة قصتنا لهذا الأسبوع والتي سنعيش معها أزمتها الأخلاقية هي سيدة أرملة، أم لطفلين ولا عائل لها ولأطفالها سواها. تعمل بطلتنا كموظفة في إحدى الشركات المعروفة بالاختلاط في بيئة العمل. الراتب الذي تستلمه بالكاد يكفيها هي وأطفالها لنصف الشهر. لديها ديون متراكمة وتعيش في ضيق مادي مستمر. تتعرض بطلتنا للتحرش الجنسي من رئيسها في العمل وهو مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في الشركة، فتتقدم بشكوى لإدارة الشركة. تتجاهل إدارة الشركة الشكوى لأن ذلك الرئيس هو عقلية فذة ومن أكبر صانعي الأموال للشركة. تقرر السيدة رفع قضية ضد الشركة وفي الأثناء، تسمع قصصا كثيرة لموظفات تعرضن للتحرش قبلها ومن نفس الشخص. خلال مناقشات التسوية الودية التي تسبق جلسات المحكمة، تعرض إدارة الشركة على السيدة مبلغا نقديا لم تكن تحلم به سيحل جميع مشاكلها المالية ويجعلها تعيش في بحبوحة وذلك مقابل تغيير ادعائها أمام المحكمة وتبرئة رئيسها من تهمة التحرش الجنسي، إضافة لتوقيع ورقة بعدم التحدث عن الحادثة مع أي شخص نهائيا، قبل استلامها المبلغ. يطلب محامي السيدة مهلة لتفكر موكلته في العرض المقدم لها.

الآن، لو كنت مكان بطلة قصتنا، ماذا ستختار؟ هل ستختار الاستمرار في القضية ومحاكمة الرئيس دفاعا عن كرامتك ولأن ذلك ما يمليه عليك ضميرك وقيمك ومبادئك ولأنك مقتنع أن ذلك هو التصرف الأخلاقي الأمثل لك وللمجتمع الذي تعيش فيه، لأنك بمحاكمة المتحرش ستسترد ولو جزءا بسيطا من كرامتك وستمنعه من التحرش بأخريات وتحميهن منه؟ أم ستختار أخذ التعويض المادي المغري وحل جميع مشاكلك المادية، والتراجع عن اتهامك، وتجاهل المسؤولية الاجتماعية وكأن شيئا لم يكن؟ وكأن شيئا لن يحصل مستقبلا للموظفات الأخريات؟