غاليانو المبدع!
كلما التقيت بقرائي في أي محاضرة أو حتى لقاء عابر تأتي أسئلة تقليدية وهي كيف تكتبين؟ ومن ملهمك؟ ولماذا لا يصيبك الملل من الكتابة؟ وهذه الأسئلة أيضاً تتكرر على غيري من الكتّاب في الملتقيات التي أطرقها من حين لآخر، إما لمعرفة نوع الكتب التي يفضلها معظم القراء، أو للتعرف على جمهوري ممن يطلعون على مؤلفاتي ورأيهم بما قرؤوا، ألاحظ أن بعض القراء يعتقد أن الكتابة لابد أن تكون بفعل أمر خارجي بمعنى لابد أن تقلد غيرك أو من الضروري أن يكون لك قدوة وإلهام حتى تستطيع الكتابة، في الواقع أن الكتابة عملية شاقة جداً، وهي فعل جريء تتخللها متعة غير عادية، فهي تفاصيل تعيشها، وشجون تبثها، وأحياناً تكون مثل فرحة طفولية تغشاك بكل صدق، هي جسر يربطنا بالحياة، فكل كلمة يكتبها الكاتب تكون مرتبطة بمشاهدة أو إحساس حقيقي نابع من موقف وأتذكر مقولة مهيبة للكاتب إدواردو غاليانو حيث يقول: ”أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل. فكر بالأمر أيها الكاتب، ومرة واحدة في حياتك كن الزهرة التي تفوح بدلًا من أن تكون مؤرخ العطر. ليس هناك متعة كبيرة في كتابة ما تعيشه. التحدي هو أن تعيش ما تكتبه“.
وهذه المقولة هي حقيقة الكتابة حيث إنها ينبغي أن تفجر ما بداخلنا من ألغام الكتابة المدفونة، وتحرضنا على ارتكاب الفضول والبوح المتدفق بروح صادقة تشف عن ما بداخلها من فرح أو حزن، وكلنا نعرف أن الأحداث واحدة لكن التفاصيل مختلفة في الحياة وهذا هو الفرق الذي يحدثه الكاتب هي تفاصيله الموشومة بالجمال أحياناً، وبالحزن الرمادي في بعض الأوقات، وهي مثل السؤال الذي ينشط العقل والحواس، فالكاتب يفترض أن يزاوج بين الخيال والواقع الذي يعيشه، وهي لا ترتبط بالكاتب وحدة بل بمحيط مفتوح حوله مكون من البشر والجمادات والنباتات وكل شيء تحمله الكرة الأرضية، وحقيقة هي سطوة الخروج عن سياق الموجود، والعبث بصدر الصفحات لتنقش عليها كل ما وراء أبواب الحياة، هي مثل الحب مرض يصعب الشفاء منه، ورغم آلامه إلا أنه لذيذ ولاذع وفائق الحلاوة في كثير من الأحيان، الكتابة هي فعل إضافة لا فعل تكرار، وهي استمرار وبحث ونباهة لكل تفاصيل الحياة. وبعد كل هذا هل أحببت عبارة غاليانو؟