آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:15 م

عائلاتنا البذرة الأولى

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

لقد أعطتنا عائلاتنا أول إحساس بأهميتنا بغض النظر عن ذلك الإحساس سواء سلبيا أم إيجابيا، ولكن نظل نختبر مشاعرنا التي غابت وتوارت خلف بشريتنا المصبوبة في قوالب شمع ما أن تمسنا حرارة تلك التداعيات حتى تنصهر لتفارقنا. وبعد العدو طويلاً في طرقات الحياة نكتشف أن عائلاتنا هي التي تحدد خلفيتنا، وقد تغرس بداخلنا قناعات بأن الحياة إما لون أسود كفنجان القهوة، أو لون أبيض ناصع كالغيم، وخارج جغرافية الحياة، ننزع بطبيعتنا الخائفة إلى الوسط، ما بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، فنعلق كغبار رمادي فلا نستطيع فكاكاً من أنفسنا.

إنك إنْ تعاند قناعاتك معناه أنْ تخلع ثيابك التي اعتدت عليها، وفصلت على مقاسك إلى لبس ثياب أخرى قد تكون ضيقة حد الاختناق، أو فضفاضة لا تناسبك لأنها ليست لك في الأساس، وستظل قلقا طالما أنك ترتديها. فنحن البشر بداخلنا سهول وهضاب من قلق وعناد وحب وخبث ولؤم وطِيبة. في الواقع أن البعض يقع ضحية عائلته فيضطر لحمل تركه من العذابات والغضب، فيعيش عمراً كاملاً مليئاً بالضياع وليس بمقدور أحد أن يوضح لنا من نحن ومن نكون بداخلنا، فنحن نتوق لفهم لن نستطيع الحصول عليه أبداً.

ولكن السؤال: هل كل هذه المشاعر ترتبط بالعائلات المفككة وغير المتفاهمة؟ أم أن تلك الأحمال تنعكس أيضاً وتتمدد في العائلات المترابطة؟ هل إحساس الفرد تجاه عائلته وما كونته بداخله هو ما يعكس فعلياً تصرفاته في الحياة، كياناتنا التي تشكلت منذ طفولتنا وذلك الإحساس بالوحدة وأحياناً الاغتراب حتى وأنت وسط عائلتك ماذا يعني؟ إننا متشابهون جميعاً من الداخل، وهذا من خصائص الإنسان، حيث التوق للآخر الذي يفهمنا ويحتوينا ويقبلنا على طبيعتنا إلا أن الشك يأخذ مكانه هنا حيث إن الآخر لا يمكن أن يتفهمنا تماماً وسوف يحكم علينا إن فتحنا قلوبنا له. وهذه المشاعر قد تعززها العائلة وهذا ما يجب محاربته فينا حيث مواجهة ما نشعر به من غضب، وحدة، بؤس، حزن، لا بد أن يتجلى في محاولاتنا بالوقوف بقوة أمامها، فنحن جزء من الكون، وعندما ننتبه لتلك القوة في هذا العالم المتلاطم من حولنا سوف نرى أنفسنا على أننا جزء منه، وجزء من قوته اللامتناهية.