لماذا نحيي عاشوراء!
لماذا يحيي ملايين الشيعة حول العالم مراسم عاشوراء في كل سنة منذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وإلى اليوم؟ يبذلون الكثير من الوقت والأموال والجهد من أجل إحياء شعائر عزاء الإمام، فهل هناك وجوب شرعي لإقامة هذا العزاء؟ وإذا لم يكن هناك وجوب شرعي، وكان العمل مستح، فهل الدافع الحقيقي هو الحصول على الأجر والثوا، مع وجود كثير من المستحبات الأخرى؟ ولماذا يبتعد الغالبية العظمى حتى عن اللهو المباح في أيام عاشورا، في حين لا يكون ذلك في شهر رمضان لغالبية النا، أو شهر الحج على سبيل المثال، أو بقية أشهر السنة.
نحن نجد أن العبادات الواجبة مثل الحج والصيا، لو لم يكن هناك وجوب شرعي للقيام به، لما أداها إلا قلي، أو لربما اندثرت مع الزمن. أما بالنسبة للصوم المستحب أو الحج المستحب فلا تجد الكثير من يقوم به. وفي المقابل وبالعكس من ذل، رغم عدم وجود أي نص أو فتوى بوجوب إقامة مراسم عاشورا، فإن الشيعة يتسابقون ويتدافعون لإحياء هذه الشعائ، وهي لا تزداد إلا ظهورا وازدهاراً مع الوقت. وكذلك فإن إحياء هذه الشعائر لا يقتصر على البالغين أو الأكبر سناً كما حال العبادات الآخر، بل إن جميع الأطياف والفئات العمرية تعمل على حضور هذه المناسب، ويتسابق عليها الصغير قبل الكبير.
نعم هناك استحباب لإقامة شعائر عاشوراء والحزن والبكاء على الإمام الحسين عليه السلا، وهناك الأجر العظيم كما في كثير من الروايات، ولكن من الواضح أن إحياء عزاء الإمام الحسين لا يخضع لميزان الأجر الثواب فقط. بل هناك دافع قوي وشوق وجاذبية لا توصف لإقامة هذه المراسم. بمعنى آخ، رغم الأجر العظيم فهو ليس الدافع الأساسي فقط لتحريك الجماهير لإحياء هذه المراس، وذلك بالمقارنة بكثير من الأعمال العبادية التي قد لا تحظى بهذا الاهتمام الجماهيري والعشق للإحياء.
إن كل الأحداث والمآسي والفجائع الإنساني، يكون لها تأثير مؤقت على البش، وقد تستمر لجيل أو اثنين أو ثلاث، ولكن بريقها يخفت ويندثر مع الزمن. ولكن نجد قضية عاشوراء لا تندثر ولا تضمحل، بل تزداد ظهوراً وإشراقاً مع الزمن. بل إن بكاء وحرقة المعزين على الإمام وكأن الإمام يقتل كل سنة وكلّ يوم.
وإذا كان الدافع والمحرك الأساس هو في مأساة الإمام الحسين «ع، فهناك الكثير من المعارك والمآسي على مر التاريخ الإنساني مروراً بالحروب العالمية واستخدام القنابل النووية التي راح ضحيتها أكثر من سبعين مليون إنسا، ومع ذلك فإن إحياء مثل هذه الأحداث يندثر مع مرور الزم، ولا يحظى بما تحظى به عاشوراء من الحيوية والتجد، والمشاعر الهياج، والتي راح ضحيتها قرابة السبعين رجل.
إذاً رغم تأثير الجانب المأساوي وروح التضحية والفداء التي سطرتها أحداث معركة عاشورا، رغم ذلك كله فإنها لا تشكل الدافع الأساس لاستمرارية وظهور شعائر عاشوراء لأكثر من ألف سن، وكأن مأساة عاشوراء تتجدد كل سن، ولا تزداد إلا ظهوراً وإشراقاً.
وإذا كانت القضية في كون الإمام الحسين هو سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإن أبيه أمير المؤمنين علي هو خير من، ورغم ذلك فإن إحياء عاشوراء ينال أكثر أهمية في أحاديث أهل البيت من استشهاد أمير المؤمنين أو استشهاد الرسول الأعظم «ص، أو استشهاد الإمام الحسن عليهم الصلاة والسلام.
وهناك الكثير من الشهداء في المعارك الإسلامية كما في بدر أو أحد أو غيره، مع ذلك لا تحظى بما يحضاه الإمام الحسين وشعائر عاشوراء من الاهتمام والإحياء.
فلماذا هذه الخصوصية لعاشوراء رغم وقوع الكثير من الشهداء على مر التاريخ الإسلامي والإنساني. وطبعاً كل هذه العوامل لها التأثير الكبي، ولكن ليست الدافع الحقيقي لاستمرارية مأساة الإمام الحسين ظهورها على غيرها من المآسي والأحداث.
والأعجب من البكاء والحزن على الإمام الحسين «ع، هو لماذا قام أصحاب الإمام بالخروج معه والاستشهاد بين يديه؟ لماذا مثل بعض الصحاب، أو الموال، أو من لا تربطهم صلة رحم وقرابة بالإما، ولا يرجون المال ولا المل، مع ذلك يتقدمون للاستشهاد بين يدي الإمام الحسين . ورغم أن المعركة محسومة بالاستشها، لماذا كانوا يتنافسون ويتسابقون على الموت الذي لا بد منه. لماذا الشباب الذين في مقتبل العمر كالقاسم بن الحسن أو علي الأكبر يتلذذون بالشهادة بين يدي الإما، ويرون الاستشهاد أحلى من العسل.
ورغم أن الإمام أعطى الرخصة لأصحابه بالانسحاب والانصراف عن، فالقوم لا يطلبون الا هـ، ولو استشهد لانصرفوا عن غير، ومع ذلك يجدون السعادة العظمى في الاستشهاد بين يديه. ما هو سر هذا العشق والجاذبية للإستشهاد مع الإمام الحسين ؟ وبصيغة أخر، ما هو أعجب من إحياء مراسم عاشورا، هو الدافع والعشق الذي جعل الأصحاب يتسابقون على الاستشهاد بين يدي الإمام الحسين .
لو تقدم الإمام الحسين أولاً واستشه، لعل الأعداء ينشغلون عن قتل بقية أصحابه وأولاده. وإذا كان الإمام يعلم بحتمية الاستشهاد في هذه المعرك، فلماذا يقدم أولاده وذراريه وأخوته وخيرة أصحابه للموت بين يديه؟ لماذا لم يتقدم هو للموت أولا، فلربما استغنى الأعداء بقتله عن قتل أولاده وأصحابه. فلماذا قام الإمام الحسين مع سابق علمه وإخباره باستشهاده بتقديمهم أولاً للشهاد، وحتى تأكد من استشهادهم جميعا، تقدم هو للشهادة. ما هي المعركة الحقيقية التي يخوضها الإمام الحسين «ع، وما هي معايير النصر والفتح في نظره. إنها معركة مختلفة تماماً عن المعارك الأخرى التي شهدها ويشهدها التاريخ الإنساني.
قد يكون خروج أصحاب الإمام من الرجال معه إلى كربلاء مبررا بوجه أو بأخ، ولكن لماذا خرجت النساء والأطفال معه. ما هو السبب الرئيس والدافع الحقيقي لمثل النساء والأطفال للخروج مع الإمام. فإذا كان الإمام أرخص الرجا، فالرخصة للنساء أولى.
وإذا كان الرجال خرجوا لنصرة الإمام والدفاع عن، فلماذا خرجت النساء وهم يعلمون باستشهاد الإمام وبتعرّضهم للسبي. لماذا خرجت العقيلة زينب ، ولماذا عبرت عن المأساة بقولها «لم أر إلا جميلا». فلماذا تحمّلت هذا العناء هي وبقية النساء والأطفا، ولماذا عبّرت عن المصاب بأنها لم تر إلا جميلا. ما هي الحقيقة التي تعبر عنها السيدة زينب بالجمال في أحداث عاشوراء من استشهاد وقتل حتى الطفل الرضي، وما تعرّضوا له من الأذى والسبي.
ما هو الدافع والعشق الذي جعل النساء والأطفال يتحملون أعباء السفر والسبي لمرافقة الإمام ومواساته ونصرته؟ لماذا زينب خرجت مع الإمام رغم علمها بالسبي؟ ولماذا الرباب ورقية وأم وهب وسكينة وغيرهم من النساء والأطفال؟
من جهة أخر، لماذا أقرّ الإمام الحسين خروج النساء والأطفال، وهو يعلم مسبقاً بقتله واستشهاده وسبي نسائه. لماذا لم يمنعهم من الخروج، أو أرسل بهم إلى جهة أخرى غير كربلاء. ولماذا أذن الإمام الحسين بأن يستشهد أولاده وأصحابه وتسبى نساء، وهو يعلم بذلك وصرح به؟
ما هو العشق الذي عاشه أصحاب الحسين حتى يرملون أزواجهم وذراريه، وحتى يتمنون أن يقتلوا سبعين مرة في سبيل، وأن يرى الشبا، مثل القاسم عليه السلا، يرى الموت في سبيل الإمام الحسين أحلى من العسل. ما هذا العشق الذي جعل النساء والأطفال يخرجون مع الإمام عليه السلا، ويسشهدوا في مسير السبي مثل السيدة شريفة والسيدة رقية. ما هذا العشق وتحمل الآلام الذي عاشته الحوراء زينب حتى جعلت تضرب رأسها كلما رأت رأس أخيها الحسين على الرمح حتى بدت الدماء من رأسها. ما هذا الفيض والعشق الذي يدفع بالإنسان للاستشهاد في سبيل، وهذه الخصوصية الإلهية التي جعلت للإمام الحسين ولعاشوراء. إنها عودة العاشق إلى المعشو، فمن يحب م، هل هو الداعي أم المجيب.
إن كثرة الحزن والبكاء والجزع بشكل عام قد يضر بحالة الإنسان الفسي، وقد يصل به إلى الإكتئا، إلا الحزن على الإمام الحسين فإنه يزيل الهموم والآلام. إن المعزين والباكين والمقيمين لشعائر أبي عبدالله يشعرون بسعادة روحية في حزنهم وبكائهم ولطمهم على الإما، وهذا مغاير للقوانين المادية. إن ما يقوم به المعزين من بكاء وحزن ولطم هو بعض من وميض الشوق والعشق الذي دفع أنصار الإمام الحسين على الاستشهاد بين يديه. فما هو سر هذه السعادة الناتجة عن الحزن والبكا، وما هو سر هذا العشق لأجيال وأجيال لم تشهد كربلا، ولم تر الإمام الحسين بأعينها.
ومن جهة أخر، ما هو سر هذا الأجر العظيم على البكاء على الإمام الحسين . لماذا يختص عزاء الإمام الحسين بهذا الأجر العظيم الذي قد يفوق على الحج المستح، والصوم المستح، وكثير من الأعمال العبادية. فالروايات مستفيضة في أجر البكاء على الإمام الحسين أو إقامة عزاء، أو زيارته. فأجر البكاء عليه هو غفران الذنوب، ووجوب الجن، وهذا ما لا قد يتحصله العبد بالأعمال الأخرى.
ففي الحديث عن الإمام الرضا : «يا بن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تسيل دموعک على خدّيک غفر الله لک كلّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً». وفي حديث آخر قال النبي: «ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة». وقال رسول الله لفاطمة لما أخبرها بشهادة الإمام الحسين وسألته عمّن يبكي على ولدها الحسين ومن يقيم عزاء له، فأخبرها فقال لها: «إنه إذا كان يوم القيامة فكلّ من بكى على مصائب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة».
وقَالَ أبو عبد اللَّهِ فِي حَدِيثٍ ومَنْ ذُكِرَ الْحُسَيْنُ عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ مِنَ الدُّمُوعِ مِقْدَارُ جَنَاحِ ذُبَابٍ كَانَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ ولَمْ يَرْضَ لَهُ بِدُونِ الْجَنَّةِ. وعن عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع يَقُولُ مَنْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ أَوْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فِينَا دَمْعَةً بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً أَوْ حُقُباً. وفي حديث عن البكاء على الإمام الحسين أن له ثَوَابَ أَلْفَيْ حَجَّةٍ وأَلْفَيْ عُمْرَةٍ وأَلْفَيْ غَزْوَةٍ.
فلماذا هذا الأجر العظيم لعاشورا، وما هي حقيقته. ولماذا شجع أهل البيت على إحياء عاشوراء.
ما هو سر هذه الجاذبية لشعيرة عاشورا، ما الذي يجعل الأنبياء والمرسلين والملائكة والجن والإنس يبكونه حتى قبل استشهاده. ما الذي جعل الرسول الأعظم يبكي عليه بكاءً شديداً حتى قبل استشهاده. لماذا هذه الخصوصية لم تكن إلا للإمام الحسين دون غيره من البشر. إذا كان الأنبياء العظام كآدم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بكوا على الإمام الحسين قبل ولادت، فكيف بمن عرف بمصيبته بعد استشهاده. فحسب الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام، أن إبراهيم بعد أن حاول ذبح ابنه وشعر بألم هذا الفع، وأمره الله بذبح الكبش فداءأ لإسماعي، وبعد أن شاهد الكبش بعد الذب، أخبره الله عز وجل أن الحسين يذبح مثل الكبش. ولعل هذه الحادثة جعلت إبراهيم الخليل يستشعر بعض من مصاب الإمام الحسين .
إن هذه الرواية تصور لنا كيف أن المولى عز وجل نعى الإمام الحسين إلى أولوا العز، وهذا يوضح مدى محورية استشهاد الإمام الحسين في الأديان السماوية. فإذا كان الأنبياء والمرسلين يبكون على الإمام الحسي، فالعجب لمن يشكل على المعزين بكائهم وحزنهم على الإما، وليس من يبكي عليه.
ليس فقط الأنبياء والمرسلي، بل لماذا الملائكة يبكون على مصاب الإمام الحسين . وفي الحديث: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ لَمَّا قُضِيَ بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والْأَرَضُونَ السَّبْعُ ومَا فِيهِنَّ ومَا بَيْنَهُنَّ ومَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ والنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا ومَا يُرَى ومَا لَا يُرَى بَكَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ .
ما هو دور الملائكة المتواجدين عند قبر الإمام الحسين «ع، ولماذا لم يؤذن لهم بالقتال يوم عاشورا، وما حقيقة النصرة التي يقومون به، ولماذا يحفّون بالقبر الشريف. ففي الحديث عن الإمام الرضا «لقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرته فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعث غبّر إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره وشعارهم يا لثارات الحسين».
لماذا السماوات والأرضون ومن فيهن ومن في الجنة ومن في النار يبكي على الإمام الحسين . لماذا الملائكة هبطت لنصرة الإما، وهي مرابطة عند قبره. لماذا هذه الحركة الكونية والضجة والعجيج الذي يتجدد كل عام على مقتل الحسين . لماذا ارتبط البكاء على الإمام الحسين منذ آدم مروراً بجميع الأنبياء والمرسلين. لماذا تبكي السماء دما، ولماذا لا يأخذ بثأر الإمام سوى المهدي .
يتبع..