آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

حلق خارج الصندوق!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

مستشفى غير ربحي في حالة مادية صعبة، يتلقى معونة سنوية من فاعل خير توفي قبل سنين وترك جزءاً من ثروته للتبرع للمستشفى، لكنه اشترط في وصيته أن تصرف المعونة على شراء أسرّة جديدة للمرضى سنوياً، وإذا أخل المستشفى بالشرط، ستتوقف المعونة!

يحتاج المستشفى لتغيير الأسرّة مرة كل بضع سنين بينما ينقصه الكثير من الأدوية والأجهزة الطبية الحديثة. حاول مدير المستشفى، الذي هو طبيب أيضاً، كثيراً إقناع محامي فاعل الخير المتوفى والقائم على تنفيذ وصيته حرفياً، بإعطائهم الإذن لاستخدام المعونة لشراء أشياء أخرى أكثر أهمية من الأسرّة، لكن بلا فائدة.

حاول مدير المستشفى بيع الأسرّة المستخدمة واستخدام المبلغ لشراء ما يحتاجونه، لكن لم يرَ أي إقبال على شراء أسرّة مستشفيات وما استطاع بيعه من الأسرّة لم يجلب مبالغ تذكر. كان يضطر في الأخير للتبرع بالأسرّة المستخدمة للجمعيات الخيرية. فكر مدير المستشفى كثيراً في حل لتلك المشكلة، لكنه لم يهتدِ لأي حل.

الآن، ضع نفسك عزيزي القارئ مكان مدير المستشفى الذي يعلم بحالة المستشفى المادية الصعبة، والذي يسعى جاهداً ويصارع لجلب أموال من فاعلي الخير والمتبرعين. وهو يعلم أيضاً بنواقص المستشفى واحتياجاته من أدوية وأدوات وأجهزة طبية وغيرها، التي إذا توافرت فستحدث فارقاً كبيراً في العناية الطبية المقدمة للمرضى الفقراء، الذين يتلقون العلاج فيه. هو أيضاً يعلم بالمعونة الخيرية والوصية ويعلم مخاطر عدم تنفيذ الشرط المذكور في الوصية سواء عليه أو على المستشفى. ماذا ستفعل؟

هل ستقرر أن تستخدم المعونة لشراء الأدوية والأجهزة الطبية الحديثة، التي يحتاجها المستشفى والتي ستساعد مئات المرضى، الذين هم في حاجة شديدة لتلك الأدوية والأجهزة، ومن ثم التحايل على محامي فاعل الخير وإيهامه بأنك استخدمت المعونة لشراء أسرّة كعادتك السنوية، وتأمل بألَّا ينكشف أمرك وإلا سيفقد المستشفى إحدى أكبر المعونات الخيرية السنوية، ناهيك عن فقدك أنت لرخصتك الطبية أيضاً وربما إيقافك عن العمل! وماذا لو علمت أن احتمالية انكشاف حيلتك هي 5 % فقط! هل سيبعد ذلك مخاوفك ويشجعك على استخدام المعونة الاستخدام الذي تراه أنت الأمثل؟

أم ستقرر شراء الأسرّة السنوية كالعادة، التي لا حاجة للمستشفى لتجديدها سنوياً وتجديدها ما هو إلا هدر للأموال التي إذا وضعت في مواضع أخرى سيكون المردود كبيراً والفائدة عظيمة، وستتجاهل احتياجات المستشفى والمرضى التي تعتبر أكثر أهمية فقط كي لا تخل بالشرط المذكور في الوصية والذي فعلياً، يمنع المستشفى من الاستفادة الحقيقة من المعونة؟

أخيراً أضيف، المعضلات التي أطرحها ما هي إلا عصف ذهني وإنساني وتمارين أخلاقية تساعدنا لمعرفة أنفسنا والاقتراب من ذواتنا أكثر. وليست هنالك إجابة صحيحة أو خاطئة. وربما دائماً ما أطرح عليك خيارين عزيزي القارئ لكن أملي فيك أن تخرج معي من الصندوق ونحلق معاً لخيارات أكثر