يا أُختَ هارون!
لا يسرد القرآن الكريم قصصًا ولا يضرب أمثالًا إلا وفيها ما كان نافعًا في الماضي والحاضر والمستقبل. وهذه إحدى معجزات القرآن الكريم حين يضرب الله للناسِ الأمثال، لعلهم يتذكرون ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ . إليكم هذا المثل من قصَّة امرأة جميلة مستورة مصونة يعرفها اليهودُ والمسيحيون والمسلمون ومن ليس لديه دين، مريم!
رجعت مريم من حيث ولدت وقد احتضنت طفلًا تحمله بين ذراعيها. لما رأى قومها طفلًا حديث الولادة بين يديها فتحوا أعينهم وفَغروا أفواههم تعجبًا! أهذه مريم التي كنَّا نعرفها في الماضي، مريم الطاهرة؟ التي سمعنا بتقواها وكرامتها! وقع الشكّ في قلوب بعضهم وتعجلوا في الحكم!
وبخوها، لاموها، قرّعوها، وهنا ما أريده من هذه القصة والمثل الربانيّ البديع، حين قالوا لها: مع الأسف يا مريم، كيف تسافلتِ ولوثتِ سمعةَ أسرتكِ الطاهرة؟ كيف فعلتِ هذا يا أختَ هارون؟! وقع الاختلاف في من هو ”هارون“؟ رأيٌ قال: الأقرب هو أنّ هارون كان رجلًا طاهرًا يضرب به المثل بين بني إسرائيل، فإذا أرادوا وصفوا شخصًا بالطهارة والنزاهة، كانوا يقولون: إنه أخو أو أخت هارون. ورأي على أن ”هارون“ كان رجلًا معروفًا بالعهر والفساد. هنا وقفت مريمُ عن الكلام، سكتت مريمُ بأمر الله، وأشارت إلى وليدها ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ .
أيها السادة والسادات: أنتم تعرفون كلَّ تفاصيل قصة مريم، وخلاصة الكلام أنه في كل زمان ”مريمات“، عفيفات! جئن من كرائمِ الأسر! من الواجب على ”مريمات“ الأنثيات، وعلى ”هارون“ الذكر أيضًا، أن يتذكروا أن للناس أعين وألسن لا ترحم. ألا يحقّ لمريم أن يقال عن أبيها وأمها: نعمَ الأب أباكِ يا مريم، نعم الأمّ أمكِ يا مريم! أم أن يقول الناس: وإن كان والدها طيبًا وأمها طيِّبة، لكنّهما نارًا خلفت من بعدها رمادًا أسودًا لا خير فيه!
اسمحوا لي وأنا أقول عنكم أصدقائي: ألا تفكرون في هذا الأب المأسور في كبر سنه؟ ألا تفكرون في هذه الأمّ الرؤوم التي دقّ عظمها؟ كلاهما ينتظر أن تكونوا أكاليل غارٍ فوق رأسه، لا أطواقَ عار! ثم لو كانت مريم - وحاشاها أن تكون كاذبة - ما دخل هارون؟!
تنبيه: كل الرجاء من القارئ الكريم أن لا يسقطَ هذه الخاطرة على شخصٍ أو حالةٍ بعينها. الأمثال تضرب ولا تقاس، وحتى تقوم الساعة سوف يجد القارئ الكريم تشابهًا في حكاياتِ البشر!