آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟

محمد الحرز * صحيفة اليوم

هذا السؤال هو عنوان كتاب للباحث المغربي علي بن مخلوف، وهو أستاذ الفلسفة بجامعة باريس وبالجامعة الحرة ببروكسل، والكتاب صادر باللغة الفرنسية عام 2016، وتُرجم عام 2018 وهو ما يعني أنه موجّه بالدرجة الأولى إلى القارئ الغربي.

وهذا مغزاه العودة إلى السجال الذي حصر الفلسفة العربية الإسلامية عند أغلب الفلاسفة الغربيين كونها مجرد شارحة للفلسفة اليونانية وناقلة «غير أمينة» لها كما حدث لابن رشد مع أرسطو، حتى أن المؤرخ والكاتب الفرنسي أرنست رينان «1823 - 1892» المعروف بعنصريته «كما بينت ذلك الفيلسوفة الألمانية حنا أرنت» وتحيزه العرقي والديني ضد الإسلام والمسلمين لم ينزل ابن رشد منزلته الحقيقية باعتباره ليس شارحا للفلسفة اليونانية فقط، وإنما مبدعا أصيلا للفلسفة الإسلامية مثلما هو عليه الحال عند بقية الفلاسفة المسلمين.

وهذا النوع من السجال لم يقتصر فقط على الجانب الفلسفي، فقد ظل علم الاجتماع منذ تأسيسه، وفي جل أطروحاته، وذلك قبل أطروحات كلود ليفي شتروس في ستينيات القرن العشرين، يرى تفوقا للعرق الآري على العرق السامي، ويصنف الآدمية إلى درجات ومراتب وينظر إلى البشر خارج أوروبا باعتبارهم تجارب مختبرية يمكن الاستفادة منهم في نظريات العلم مثلهم مثل الحيوانات.

ولم تلغ الثورة الفرنسية بقيمها ذات النزعة الإنسانية ولا فلاسفتها هذه العنصرية المقيتة، ولم تتخفف منها على الأقل، إلا مع مجيء فلاسفة التمرد «أو فلاسفة ما بعد الحداثة كما يسمون» كان سلاحهم الفكر النقدي ومراجعة كل ما أنتجه الفكر الحداثي من قيم ومفاهيم وخطابات أسست جميعها للحضارة الغربية.

وعلى هذه الخلفية الذهنية للقارئ الغربي الذي لم ينفك يعيد إنتاج الصورة القدحية التي كونتها ثقافته الغربية عن الإسلام والمسلمين، وكونتها وسائل إعلامه تحت طائل ما يسمى «فوبيا الإسلام»، تأتي أهمية طرح السؤال، وما ينطوي عليه من دلالات تفتح الباب على مصراعيه لإعادة الاعتبار للفلسفة العربية، وإخراجها من الموضع الذي وضعت فيه من طرف الفلسفة الغربية.

فمنذ صفحاته الأولى يضع المؤلف بين يدي القارئ الهدف من الكتاب «... أن يبين أن الفلسفة العربية - كما تجلت في الفترة من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر - هي جزء لا يتجزأ من التاريخ الفكري للإنسانية».

ويستدل على هذا الانتماء إلى التاريخ الفكري الإنساني بنقل واحد من نقول عديدة موثقة رغم «التجهيل» الذي يطالها، وهي «نحن نستخدم اليوم حججا من فلسفة العصر الوسيط العربية دون أن نعرف أنه تمت صياغتها من حوالي عشرة قرون مضت في عالم يمتد من قرطبة إلى بغداد».

ويضرب مثلا على ذلك «التمييز بين الجوهر والوجود الذي يسري في الفلسفة الكلاسيكية في القرنين السابع عشر والثامن عشر والذي صاغه فيلسوف القرن العاشر ابن سينا، حينما كان يقرأ ميتافيزيقا أرسطو».

بيد أن التأصيل المبدع الذي يثير الإعجاب بالفلسفة العربية - عندما يشير إلى مصطلح الفلسفة العربية فهو يعني الفلسفة التي كُتبت باللغة العربية بغض النظر عن موطن الفيلسوف نفسه - ويفارقها كوريثة عن الفلسفة اليونانية هي أنها لم تحاول أن تحتمي بعلم الكلام للدفاع عن نفسها، وإنما حاولت تبرير نفسها من خلال ما اصطلحت على تسميته بالشريعة. ومن هنا تأتي أهمية استشهاداتهم بالآيات القرآنية باعتبار أن الحقيقة واحدة. لكن طرق الوصول إليها متعددة كما هي تأصيلات ابن رشد وفلسفته.