آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:13 ص

هل أنت قابل للشحن؟

كاظم الشبيب

بعضنا سريع الانفعال، سريع الإنسان، من الممكن أن يحب أو يكره بقليل من الكلام والتشجيع وإعادة الشحن، نعم بعضنا جاهز لذلك. وبعضنا قليل الانفعال، بارد في ردود أفعاله، لا تعرف أهو محب أم كاره، لا موقف له، وربما جميعنا شاهد بعضهم. وبعضنا ينبئك صمته بالتريث، تدوير الأفكار، محاولة أخذ الموقف الأقرب للحكمة والاتزان. وبعضنا يسبق انفعاله أو انشحانه مبدأ محبته لكل الناس حتى خصومه. أو العكس من ذلك، بحيث يسبقه سوء ظنه بهم، فلا يعطي حتى البسيط من ثقته إلى أحد ويغلبه التردد على الدوام.

الناس الذين يمتازون بسرعة الانفعال، والقابلين للشحن والتشاحن، في الغالب هم من البساطة الثقافية بمكان بحيث يمكن استدراجهم نحو محبة الآخرين أو تحريضهم على كراهية آخرين. قلة الوعي تجعلهم فريسة للاصطفاف مع هذا أو ذاك ليكونوا حطباً لنار فتنة ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل. عدم نضجهم في فهم الحياة وإدراك مدى تشابك مصالح العلاقات بين الناس يجعلهم لقمة سائغة للنصب والاحتيال في حب هذا الشخص أو كراهية ذاك. بساطة تفكيرهم، بل قل سذاجتهم، تجعلهم مجرد أبواق لحب أو كراهية أهل هذه الهوية أو تلك. لذلك نجد هؤلاء البسطاء هم المكون الرئيس للحشو وتضخيم أرقام المريدين والأتباع عند هذه الجماعة أو تلك.

لا خلاف في عدم وجود أي ضرر من بث المحبة في نفوس الناس، لا على المحب ولا على المحبوبين. بيد أن الضرر، كل الضرر، في بث الكراهية وشحن الناس بالبغضاء والحقد، لأن في ذلك إثارة للفتن، وربما تُسفك الدماء لا سمح الله. لذا هناك مانع واحد قد يعول عليه العقلاء، ولكن ليس على الدوام، هو عامل يعول عليه في ردع هؤلاء البسطاء من الانجراف خلف من يريد شحنهم بالكراهية والبغضاء للناس.

يعول على العامل الأخلاقي الفطري في نفوسهم. وهو ما أشار إليه الدكتور نادر كاظم في كتابه كراهيات منفلته بقوله في سياق مقاومة نوازع الشر: علينا أن نذكر، هنا، بنوع عتيق من مقاومة هذه النوازع العنيدة، وذلك بالتوسل بقوة داخلية وهي قوة الأخلاق وتهذيب النفوس وتأديبها على أخلاق المراعاة واحترام الآخرين والاعتراف بكرامتهم والحرص على تجنب جرح مشاعرهم وإيقاع الأذى المعنوي بهم. ويمكن لهذا النوع من أخلاق المراعاة والاحترام الذي هو بمثابة ”صداقة بلا حميمية“ كما يفهم من أخلاقيات أرسطو، أن يقاوم هذه الكراهية ويقهرها، وذلك عبر تكريس النظر إلى الكراهية بوصفها عملاً لا أخلاقياً ودنيئاً ومعيباً ولا يرتكبه إلا الحقيرون والوقحون وصغار النفوس من البشر.*

بالطبع هناك فوارق كثيرة بين التشاحن بالحب والسلام والتعاون، وبين التشاحن بالكره والقطيعة والظنون. فإلى أي التشاحنين نحن جاهزون للشحن؟

*ص 18 كراهيات منفلتة