كلمة رأس عن ”بركة“ العشَرة!
كلمة من محبّ للعادات والتقاليد والتراث الدينيّ، ومن ذلك ”بركة“ عاشوراء، وهو طعام يهديه الجيران لبعضهم بعضًا - عن روح سيدنا الحسين - ، عنوانًا للمحبّة وقربةً لله تعالى. كلمة الرأس هي التالي:
تهادوا، تحابوا، أنفقوا، عشرة أيَّام أو أكثر لم نصنع في بيتنا طعامًا، نأكل مما يأتينا من خيرات. ليس فقط هذه السنة بل منذ كنّا صغارًا انبنى لحمُ أكتافنا وتأسس من هذه البركة، لكن يأتينا أكثر مما نستهلك، وأجزم أن كثيرًا - أو قليلًا - منكم يهزّ رأسه موافقًا ومقرًّا بأن ما وصله كان أكثر من حاجته! نحن وإيَّاكم من الذين يخجلون أن يردوا هدايا الكرماء ”لا يردّ الكريمَ إلا اللئيم“.
هل يمكن ترشيد هذه ”البركة“ بحيث تكون على مقدار ما يستهلكه الجيران ومن نهديها لهم؟ لأنّ بعضًا من تلك النعمة الثمينة يرمى! ليس رأيًا فقهيًّا، ولا يلزم أحدًا؛ هل نستطيع أن نتناوب التوزيع بين الجيران، أنا أوزع في اليومِ الأول، وأنت في اليوم الثاني وآخر في اليوم الثالث؟ حرصًا منا على أن لا نكفر بالنعمة، في هذا الزمن الذي كل شيء يكلف الكثير، الأرز، اللحم، الدجاج، الفواكه والعصائر، يمكن اختصار ولو القليل منها ولن ينقصَ اللهُ من أجرِنا وثوابنَا شيئًا!
عن الإمام عليّ : من شكرَ النعمَ بجنانه استحقَ المزيد قبل أن يظهرَ على لسانه. وعنه أيضًا: لا تكن ممن... يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادةَ فيما بقي. وها نحن نقول: شكرًا لله، شكرًا لكل من يهدي، لمن يبذل، لمن يتعب، وشكرًا للسيد ”الحسين“ الذي كان سببًا في هذه المحبَّة والألفة الاجتماعيَّة والهدايا القيِّمة الشهيَّة. عادة جميلة ورائعة، لا نتركها، لا نقطعها، إن استطعنا ننظمها ونرشدهَا قليلًا!
من الطبيعي أن يدرك القارئ الكريم أن ما قصدته هو ما يوزع في وجبة الظهر من الأرزِ والإدام، مع أنّ أنماطًا كثيرة من الطعام والشراب يوزعها الناس ويهدونها في أماكن عديدة، على مدار الساعة. هي قطرة في بحر، فماذا تضر أو تنفع؟ ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ، كلوا كما تحبون واشربوا كما تشاؤون دون إسراف، وبعدها جاء تحذيرٌ صريح: إنه لا يحبّ المسرفين!
أخشى على القارئ الكريم من وصف بعض حالات الفقر والبؤس التي رأيتها، وأنتم ترونها، بعض الشعوب تبحث عن الأكلِ الرديء في القمامات فلا تجده، فهل نستطيع أن نمنع أنفسنا من رمي أجود الطعام في القمامات لكي لا يحرمنا اللهُ منه؟!