آخر تحديث: 21 / 12 / 2024م - 5:28 م

بين نارين...!

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

تواصل معي بعض القراء مستغربين من طرحي لهذه السلسلة من المعضلات الأخلاقية ومستبعدين حدوثها حيث يرونها ضربا من ضروب الخيال. ربما من الصعب حدوث بعض القصص التي ذكرت لكن البعض الآخر حدث فعلا. وفي النهاية هي ليست إلا قصصا رمزية الغرض منها تخيل أنفسنا في مواجهة مواقف صعبة ومحاولة الإجابة عن الأسئلة المطروحة وإيجاد حل لتلك المواقف وكل ذلك لإنعاش العقل، وصقل الحس الإنساني وإيقاظ الضمير. وعلى الرغم من صعوبة تلك المواقف إلا أنها اختبارات مهمة للشخص وأخلاقه وفطرته وتربيته.

سنعرض اليوم قصة ومعضلة جديدة من المعضلات الأخلاقية التي حدثت وتكرر حدوثها فعلا. يشتعل حريق ضخم في مدرسة فتيات يانعات يدرسن في المرحلتين المتوسطة والثانوية. تتأخر سيارات إطفاء الحريق وينتشر الحريق ويكبر في دقائق. تبدأ الفتيات المسكينات اللاتي حوصرن بألسنة اللهب والدخان من كل جهة بالصراخ طالبات للنجدة. يتجمع الكثير من الرجال خارج المدرسة عاجزين عن فعل أي شيء، البعض خوفا من النيران والبعض الآخر في حيرة من أمره. فكيف يدخل لينقذ الفتيات وهو رجل، وهن غير محجبات وربما أكلت النيران بعض ملابسهن! وكيف يلمسهن ويحملهن ويبعدهن عن ألسنة اللهب وهو غريب عنهن وليس بمحرم لهن؟ دقائق قليلة تمر سريعا التي يجب أن يتخذ فيها كل رجل واقف خارج المدرسة قراره بمحاولة إنقاذ الفتيات أو تركهن يواجهن مصيرهن المحتوم! في تلك اللحظة، يقفز شاب لداخل المدرسة وينقذ حياة بعض الفتيات ويصاب بإصابات بليغة يدخل على أثرها المشفى. بعد خروجه، يكتشف أن والد إحدى الفتيات قد رفع عليه قضية للمسه ابنته وحملها لخارج المدرسة!

وكما هي الحال مع النار، لدينا قصص مع الماء أيضا! وذلك ما حدث في سيول جدة عندما سحبت السيول بعض السيارات التي كان بها بعض النساء والأطفال. تجمع بعض الرجال بعيدا متفرجين وحائرين. أما المبادرة في إنقاذ الأطفال فلا مشكلة فيها لكن هل نبادر بإنقاذ النساء أو نتركهن لمصيرهن المحتوم؟

كنت في دورة للإنعاش القلبي الرئوي وكانت المدربة تشرح لنا طريقة إنعاش شخص توقف قلبه وسقط أمامنا فجأة، وذلك بالضغط بقوة 30 مرة في منتصف القفص الصدري لإنعاش القلب، ثم إعطاء الشخص نفسين طويلين والتأكد من صعود القفص الصدري أثناء إعطاء النفس، ثم العودة للضغط 30 مرة أخرى حيث باغتتنا بالسؤال «لو سقط شاب أمامكن هل ستسعفنه؟» وسألت الشباب «لو سقطت فتاة أمامكم، هل ستسعفونها؟» كان جواب الأغلبية بنعم لكن فتاة واحدة من مجموعة الفتيات ترددت وشاب من مجموعة الشباب قال إنه من المستحيل أن يلمسها ويعرض نفسه للمساءلة الشرعية والقانونية! ثم دار جدال طويل حول ما إذا قررت الفتاة مقاضاته بسبب إنعاشها وهو ليس محرما لها!

دقائق من التردد بين الإقدام لإنقاذ حياة شخص أو الإحجام خوفا من الأعراف المجتمعية أو العواقب القانونية أو الشرعية بإمكانها إغاثة أو إنهاء حياة إنسان.