الشعر في الحسين وثلاثيَّة الشاعر والمنشد والمستمع!
ما فائدة الشعر الذي لا يبني لصاحبه قصرًا في الجنَّة ولا يحمل همَّ قضية؟ عن رسول الله ﷺ: إنّ من الشعرِ لحكمة، وإنّ من البيانِ لسحرا! الشعر سيفُ من لا سيفَ له وصحيفة من لا صحيفةَ له. فيه درجاتٌ من العاطفة والعقل في كلِّ آونة وزمان! وما قيمة الشعر إذا كان مثل صوت الطنجرة لا يحمل شيئًا غير أحبك وعينيكِ خضراء وزرقاء وكيت وكيت؟!
لم يولد حدث في التاريخ أثرى الأدبَ أكثر من شهادة الإمام الحسين في شهر محرم سنة 61 هجرية، شعرٌ عذبٌ رقيق لم يختص بدينٍ دون دين أو طائفةٍ دون أخرى، لكن طائفة الشيعة لبست قلائد نظمه والعناية به أكثر من غيرها! أعطت الواقعةُ الشعراء ميدانًا يتسابقون فيه بأجود وأرق القصائد، فلسان حال الحدث يقول:
كذب الموتُ فالحسين مخلَّد
كلما أخلقَ الزمانُ تجدَّد
في أيام العشرة الأولى من شهر محرم فرصة للخطباء أن يلقوا على مسامع الناس من الشعرِ أجوده، من شعر أهل القطيف وغيرهم. لا بدّ أن يخطر في بالنا عولمة الحدث وعولمة الخطاب العاشورائي، وهل أجمل من عولمة الشعر؟ قبل سنوات بزوغ الفضائيات والشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، كان الخطاب إلى الداخل! الآن، لا خصوصية، الخطاب للخارج كما للداخل! في جعبة الشعراء الكثير، فإذا ما كان من الشعر والقصائد ما لا يعطي المقام حقه، يوجد البديل الأصلح!
كل شاعر مأجور، عن الإمام الصادق : ”من قال فينا بيتَ شعر بنى الله تعالى له بيتًا في الجنة“. ذلك من أجل أن يكون الحدث معلمًا ثقافيًّا، من أجل أن يبقى الشعر قويًّا معبِّرًا عن الملحمة في جميع أبعادها، فهو - أي الشعر - لا يزال مادةً مستساغة وشهيَّة في جميع أنحاء العالم. وبهذه المناسبة دعوة للشعراء المعاصرين أن يكتبوا الشعر الجيد، ولا يذيعوه للنَّاس إلا بعد عناية وتنقيح، من أجل أن يحجزوا لأنفسهم مكانةً وذخرًا وذكرًا في ناحية من نواحي الحدث، وأن تخرج قصائدهم دررًا جميلة تنافس أجود الدرر، من أجل أن يحمل أصالة فكر القطيفيين. فرصة أن يسمع الناس الشعر القطيفي الجيّد، والحق يقال أن من شعراء القطيف، في الماضي والحاضر، من نظموا قصائد تكتب بماء الذهب لعظيمِ جودتها!
أما عن المستمع فهو يدرك الفارق بين الشعر الركيك، ضعيف الألفاظ والمعاني. هو ببساطة، يعرف ما يلامس شغاف قلبه وحبَّته! روى المؤرخون لما قال الكميتُ بن زيد «الهاشميات» سترها، ثم أتى الفرزدق بن غالب فقرأ عليه شطرًا منها يستشيره قبل إذاعتها. ومع أن الفرزدق كان شاعرًا مُجيدًا إلا أنه أعجب بها أيما عجب وقال للكميت: يا بن أخي؟ أذع ثم أذع فأنتَ والله أشعر من مضى وأشعر من بقي!