عاديت؟ لا تتغول في العداوة!
قال الإمام عليّ بن أبي طالب : أحبب حبيبكَ هونًا ما عسى أن يكونَ بغيضكَ يومًا ما وأبغض بغيضكَ هونًا ما عسى أن يكونَ حبيبكَ يومًا ما! الهَون بالفتح الحقير، والمراد منه هنا عدم المبالغة، أي لا تبالغ في الحبّ ولا في البغض فعسى أن ينقلبَ كلُّ إلى ضده فلا تعظم ندامتكَ على ما قدمت منه.
طبيعيّ جدًّا أن تتحول بعض العلاقات وبعض الصداقات إلى عداوة. في الصراع بين الخير والشرّ وبين الإنسان والشيطان، أحيانًا يغلب الشرُّ الخير. كلّ عِشرة وصداقة فيها لحظات جميلة، لا يستحسن أن تنقلب ذكريات تلك اللحظات الجميلة إلى أفعال إنتقام وتشفي. العاقل يعرف أن الشواهد - في هذه الآونة - لا تحصى وليس كلها يذكر، لكن هذه أنماطًا منها: جاري تغيرت المودةُ بيني وبينه، زوجتي فقدتُ حبها، شريك عمل اختلفتُ معه، صديقي تعاديتُ معه، مجتمعي اختلفت أفكاري عنه، وتغيرت نظرتي نحو بعض الممارسات والعادات والعقائد! أدرنا ظهورنا لبعض، وتبقي الذكريات الجميلة والخبرة الرائعة لا يجوز أن نصبغهَا بصبغةٍ سوداء قاتمة مثل لون الزفتِ الأسود ونَفجر في الخصومة أيَّما فجور!
كلّ علاقة حسنت أم ساءت فيها نصف كوب ملآن! لا تخنها بالنكران والتشويه والتنكيس وجعل عاليها سافلها! من القيم التي حثّ عليها رسولُ الله «صلى اللهُ عليه وآله» حفظ الإخاءِ القديم: إن الله تعالى يحب المداومة على الإخاءِ القديم فدَاوموا عليه.
وعَاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَنِ اعتَدى
وفارِقْ ولكِنْ بالتي هيَ أحسَنُ.
ادفع بالتي هي أحسن! لا خصومة ولا نزاع في الجنَّة! أما الدنيا فهي مليئة خصومات وعداوات! إدفع الخشونة بالليونة والمداراة، وقابل الإساءةَ بالإحسان، ولا ترد الإساءة بالإساءة، والقبيح بالقبيح، لأن هذا التعامل الجيد سيقود إلى خلاصة: فإذا الذي بينكَ وبينه عداوة كأنه وليّ حميم.
كان أقوام الأنبياء يسفهون أفكارهم ويسخرون منهم، والأنبياء يحافظون على رزانتِهم وجمال خطابهم: يا قوم كلمة تكررت من أفواه الأنبياء حين يريدون مخاطبة مجتمعهم الكافر الذي سماهم مجانين وسحرة! عن الإمام الصادق : إن الله عزّ وجل أدَّب نبيه فأحسن أدبه، فلما أكملَ له الأدب قال: «وإنكَ لعلى خلقٍ عظيم» ثم فوض إليه أمر الدين والأمَّة ليسوس عباده.
خلاصة المرام: اضطررتَ للخصام، خاصم دون فجور. مجتمعك، أصدقائك، زوجك، أهلك وناسك، لا تنظر لهم بازدراء واحتقار! تذكر الساعات الحلوة والمواقف الطيِّبة. لا تقطع حبال الود بين من عاديت، ربما تعود الصداقة إلى طبيعتها والمياه إلى مجاريها!