آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 11:00 م

الانصياع في الحب والكراهية «4/4»

كاظم الشبيب

نحب فننصاع لمن نحب، ولكن هل ينصاع محبوبنا إلينا؟ 

ينصاع المحبون لبعضهم لأن أصل المحبة جالبة لحسن الظن المطلق فلا مساحة فيها للشك والريبة التي تبني التكاره بين الناس. تغلب في الحب المودة والعطف والحنان فلا حيز فيها للمطالبة بالحقوق التي يتطالب بها المتطلبون. حتى في حب البشر لأديانهم، ينصاعون إليها مع الحب، ولا ينصاعون لها بالكره والقسوة. 

لذلك تعاني الديانات من حقيقة مؤلمة ساهمت في قلب الموازين في فهم الديانات من قبل عامة الناس. حقيقة جعلت المتدينين هم الذين يرسمون صورة الدين وليس الدين هو الذي يرسم صورة المتدينين. الحب في الدين أشمل من الحب الذي شخصه المتدينون، بل قد جعل بعض المتشددين من كل الأديان والمذاهب قوائم للكراهية لأناس من أهل هذه الهوية أو تلك واعتبروها جزء من واجبات المتدينين. وبالتالي يحتار عامة التابعين للأديان والمذاهب في كيفية التمييز بين أمرين وهما مبدأ الطاعة ورفض الانصياع. لأن الفرق كبير بين الانْصِياعُ لِلْحَقِّ: وهو الخُضوعُ، والامْتِثالُ لَهُ. أما الانصياع لمن يظن أنه الحق فتلك مسألة أخرى. 

 وللفيلسوف فريدريك نيتشه قول جميل بهذا الخصوص: إن الانصياع حظي عند البشر حتى الآن بأفضل وأطول تمرس وتربية، فإنه يحق لنا الافتراض، كمعدل عام، أن كل واحد منا هو الآن مفطور على الحاجة إلى الانصياع بوصفه نوعاً من الوجدان الصوري الذي يأمر: ”يجب عليك أن تفعل شيئاً ما حتماً وأن تمتنع عن شيء ما حتماً“ وباختصار ”يجب عليك“. وتسعى هذه الحاجة إلى الإشباع وملء صورتها بمضمون ما، وهي بوصفها شهيةً وغليظة وقليلة التطلب سرعان ما تلقف وتقبل، على حسب قوتها ولهفتها وشدتها، كل ما يصيح به أي آمر من الآمرين في آذانها؛ الاهل، والمعلمون، والقوانين، والتحكيمات الطبقية والرأي العام... أن فطرة القطيع في الانصياع تتوارث على أحسن ما يكون وعلى حساب فن الآمر. *

وللمزيد من التأمل نتسأل: هل نتبادل الانصياع بحب لمن نحبهم ويحبونا أم نتبادل جميعنا الانصياع مجبرين؟ 

* ما وراء الخير والشر، ص 143، فريدريش نيتشه. بتصرف.