يومان قبل العيد.. الحسين غادر الحجاز إلى أرضِ غربة ولم يعد!
من القصائد التي يحفظها نعاةُ الإمام الحسين «عليه السَّلام» عن ظهر قلب، قصيدة السيِّد جعفر الحلي التي مطلعها: وجهُ الصباحِ عليَّ ليلٌ مظلمُ *** وربيعُ أيَّامي عليَّ محرَّمُ. في القصيدة وصف السيِّد خروج الإمامِ الحسين «عليه السَّلام» أجملَ وأحزَن وصف، وقارن فيها بين خروج الإمام الحسين من مكةَ إلى العراق وبين خروج النبيّ موسى «عليه السَّلام» من مصرَ إلى مدين، وشتَّان ما بين الخروجين والرجوعين! قال في القصيدة:
وقد انجلى عن مكةٍ وهو ابنها *** وبه تشرفت الحطيمُ وزمزمُ
لم يدرِ أين يريح بدنَ ركابهِ *** فكأنَّما المأوى عليهِ محرَّمُ
في الجانب الإنساني، مشهدٌ مؤلمٌ جدًّا ومأساوي، أن يخرج امرءٌ من أرضٍ عاشَ فيها هو وأهله وأصحابه، يغلق أبوابه ولا يعود! يقتل في أرضٍ بعيدًا عن مدارج صباه. لا يُستغرب أن تكون أرض مكة والمدينة بكت الإمامَ الحسين «عليه السَّلام» حزنًا وشجنًا محبَّة وكرامةً له. أمرٌ عظيم، شخصية مثل الإمام الحسين «عليه السَّلام»، يخرج ويغلق بابَ داره إلى الأبد، لا وافدَ يسأل من رفده ولا طالبًا يسأل من جوده ونواله! خرج الإمام الحسين وبقي الوفّاد يرجون عودته، جاءَ العيد وراح لكنّه لم يعد!
هنا أقدم دعوةً - للقارئ الكريم - أن يتعرف على خبايا الأحداث التي غيرت مجرى التَّاريخ على مستوى العالم! حيث لم يخطئ من قال: الحاضرُ غرس الماضي والمستقبل جني الحاضر والتاريخ سجلّ الزمن لحياة الشعوب والأشخاص والأمم.
روت كتب الحديث عن أمّ سلمة أنها رأت النبيَّ ذاتَ ليلة وهو شعث مغبرّ، فسألته عن ذلك، فأجاب «صلى اللهُ عليه وآله»: ”أُُسري بي في هذه الليلة إلى موضعٍ من العراق يُقال له كربلاء، فأُريتُ فيه مصرع الحسين ابني“، ثم أعطاها شيئًا يشبه الترابَ الأحمر، فوضعته في قارورة، وسدّت بابها. وعندما خرج الإمام الحسين «عليه السَّلام» إلى كربلاء، كانت أم سلمة تُخرج تلك القارورة كلَّ يوم، وتنظر إليها، وفي يومِ عاشوراء أخرجتها، فإذا هي تغيّرت إلى دمٍ عبيط!
وروي أيضا أنه عندما أراد الإمام الحسين «عليه السَّلام» الخروج إلى العراق، قالت له أم سلمة: ”لا تخرج؛ فإني سمعتُ جدَّك يقول:“ إنّ ابني الحسين يُقتل بأرض العراق"، وعندي تربة من تلك الأرض أعطانيها رسول الله «صلى اللهُ عليه وآله»، فقال لها الحسين: إذا فاضت القارورةُ دمًا، فاعلمي أني قُتلت!
يذكر المؤرخون أن الإمام الحسين «عليه السَّلام» خرج من مكَّةَ إلى العراق في اليوم الثَّامن من ذي الحجّة «يوم التروية» سنة 60 هجريَّة، ولم يعد إلى الحجاز لأنه استشهد مع أصحابه وأهله في اليومِ العاشر من شهر محرَّم الحرام سنة 61 هجرية. عاد من ركبه الأطفالُ والنساء وابنه الإمام عليّ بن الحسين «عليه السَّلام».