آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

الثقافة العامة تقود إلى السمنة!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

”السمنة ليست مشكلة فردية“، كان ذلك عنوان المقال السابق الذي نشرته في هذه الزاوية، 3 يونيو الماضي، وناقشتُ فيه ظاهرة ”السمنة“ وكيف أنها لم تعد مشكلة فردية، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية - صحية، تهدد حياة شريحة واسعة من الناس، وتقودهم نحو الإصابة بالأمراض المزمنة، دون القدرة على الخروج منها حتى مع تناول الدواء!

إشكالية هذه الأمراض المزمنة أن طريقة علاجها التقليدية، ليست فعالة، لأنها بالأساس لا تعالج المرض، وإنما تجعل الفرد يتعايش معه، ويسعى لمنع تدهور حالته.

مريض ”ضغط الدم“ أو ”السكري“، يبقى طوال حياته وهو يتناول الأقراص الكيميائية المصنعة، وينصح بالابتعاد عن بعض الأطعمة المحددة، دون أن تؤدي طرق العلاج هذه لشفائه أو حتى انخفاض معدلِ مرضهِ لمستوى أقل تقدماً، بل قد تجده مع استمرار نمط حياته الاعتيادي، يتقهقر صحياً، وتصبح بعض الأدوية التي يتناولها غير فعالة، ما يضطره لأن يأخذ عقاقير أكثر فعالية، وبذلك يصعد درجة أخرى في سلمِ العلاج غير الناجع الذي سيلازمه طوال عمره.

هي إذن، مشكلة ثقافة عامة، تقود بشكلٍ تقائي إلى إصابة الفرد بالسمنة وبالأمراض المزمنة، وتجعله غير قاردٍ على التخلص منها، ليشعر تالياً بالفشل والكآبة، ويستلسم للحالِ التي هو عليها، ما يعني مزيداً من المعاناة وزيارة المستشفيات.

الذهاب المستمر للمراكز الصحية، وأخذ مشورة الأطباء، للأسف، في غالبها، لا تحرر المريض من علته، ولا تجعله يتخلص من العقاقير التي توصف له، لأن الثقافة الصحية في المستشفيات ولدى المعالجين هي جزء رئيس من المشكلة.

الطبيب، تجده مستعجلاً، وسط جدول مكتظٍ من المراجعين، وتراه يركز على أمور سطحية وروتينية في أسئلته وكشفه على مريضه، دون الذهاب إلى سؤاله عن: الأطعمة التي يتناولها، نظام الأكل لديه، مدى حصول جسمه على المغذيات والمعادن والفيتامينات التي يحتاج لها، العمل، النوم، الرياضة، الحياة الاجتماعية، الأسرة، الهوايات، تعرضه للشمس، تنفسه.. لأن جميع هذه التفاصيل التي تبدو غريبة لدى البعض، إلا أنها مهمة جداً لتشخيص حال المريض.

الأطباء في كثير منهم، تدور في فلكهم الأسئلة التقليدية، والتي تتكرر من فردٍ لآخر، وكأن هؤلاء المرضى نسخاً متشابةً يصلح لها ذات الدواء!

ثقافة الاستشفاء غائبة، وحلت مكانها في المستشفيات ثقافة ”الدواء“ الذي لا يداوي.

هذه الطرائق العوجاء في التفكير، ما لم تستقم، وما لم تتغير، فإن مستويات السمنة سوف تزداد، وسوف تتحول المشكلة إلى ظاهرة خطرة لا يمكن السيطرة عليها.

وزارة الصحة، ووزارة التعليم، ووزارة الرياضة، ووزارة الثقافة، عليهم دون غيرهم مسؤولية كبيرة، للعمل على الخروج من الثقافة البالية، التي أثبتت السنوات أنها مضيعة لصحة المواطنين، وهدر لمئات الملايين، وغير فعالة في علاج معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة.

يجب على هذه الوزارات أن تعمل معا على تحقيق أهداف صحية حقيقية، أساسها ”جودة الحياة“، وتعميم ثقافة عامة وسلوك مجتمعي فعال، يجترحُ الغذاء الصحي والرياضة والعلاجات غير التقليدية، والأهم الجرأة في نقد الثقافة الطبية القديمة ومساءلتها، وتجريب أنماط جديدة في العلاج، تقوم على حميات غذائية مثل: الكيتو، وقليل الكربوهيدرات، وكارنيفور.. وسلوكيات يومية تعزز الصحة العامة والمناعة مثل: الصيام المتقطع، الرياضة، التأمل، اليوغا، التنفس..

وللحديث تتمة..