آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

حب الذات وتقديسها وكراهية غيرها «4/3»

كاظم الشبيب

عندما أحب نفسي إلى حد التقديس، فأنا أحضر نفسي لأكون قائداً لكراهية الآخرين. يحدث ذلك على مستوى الأفراد، وكذلك على مستوى الجماعات داخل أهل كل هوية. كما أن كراهية النفس إلى حد الاحتقار هو وجه من وجوه التطرف في التفكير والممارسة، كذلك حب النفس إلى حد التقديس هو تطرف في تقييم الذات وهلاكها. حتى على مستوى تقديس أهل الأديان والمذاهب لأنفسهم. لأن كل تقديس للذات هو باب لصناعة الكراهيات المتضادة. تقديس الذات ينتج عنه كثير من المغالطات تجاه النفس وتجاه الغير. للتوضيح، ننقل من الفيلسوف فريدريش نيتشه المثال التالي لمن أراد أن يتأمل مع بعض التحفظ ومن دون تعليق مني:

 في الهندوسية، يُعد البراهمة هم الأعلى مرتبة بين الناس: فمن خلال تنظيم ديني خوّلوا أنفسهم السلطة لتعيين الملوك على الشعب، في حين أنهم بذواتهم مكثوا بعيداً وخارجاً وأحسوا أنفسهم كذلك، بوصفهم أناساً لهم مهام أسمى تفوق حتى مهام الملوك. أما في أيامنا هذه، فإن الدين يعطي لقسم من المحكومين أيضاً إرشاداً ومناسبة كي يستعدوا لتولي الحكم والأمر ذات يوم، وتحديداً لتلك الطبقات والفئات المتصاعدة شيئاً فشيئاً، التي نصادف فيها، بفضل عادات زوجية سعيدة، قوة الإرادة ولذتها، إرادة السيطرة على الذات، ساعية إلى تصاعد مستمر: فلهم يقدم الدين حوافز وإغراءات عديدة لانتهاج الدروب المؤدية إلى روحية عليا ولاختبار مشاعر الصمت والوحدة والتجاوز الكبير للذات: إن الزهد والتطهر يكادان أن يكونا وسائل لا غنى عنها للتربية والتهذيب، إن أراد عرق ما أن يتغلب على أصله ونسبه الرعاعي ويرتقي إلى تولي مقاليد السلطة في يوم من الأيام. أما فيما يخص البشر العاديين أخيراً، أي السواد الأعظم الموجود للخدمة والمصلحة العامة والمسموح له بالوجود لهذه الغاية وحسب، فإن الدين يمدهم برضى عن وضعهم ونوعهم لا يقدر بثمن، بسلام مضاعف في القلب، بإعلاء لشأن انصياعهم، بسعادة وآلام جديدة يشاطرونها أمثالهم، بنوع من التسامي والتزيين، بنوع من التبرير لكل الحياة اليومية، لكل الدعة، لكل البؤس نصف البهيمي الذي في نفوسهم. إن الدين واهمية الحياة الدينية يضيفان بريقاً نيراً على أولئك البشر المعذبين أبداً ويمكنانهم من تحمل منظرهم الخاص، وتأثيرهما أشبه بالتأثير لفلسفة أبيقورية، عادةً، على متألمين من رتبة أعلى. إنه ينعش ويصقل ويستغل الآلام، إن صح التعبير، بل إنه يقدسها ويبررها آخر الأمر أيضاً. وربما لا يوجد في المسيحية والبوذية أمر أكثر مهابةً من فنهما في تعليم حتى أوضع إنسان كيف يضع نفسه، بفضل التبتل، ضمن نظام للأشياء ظاهري وسامق، وكيف يتعلق تالياً بالرضى عن النظام الفعلي الذي يعيش فيه حياة قاسية جداً. [1] 

[1]  ما وراء الخير والشر، ص 95، فريدريش نيتشه.