آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

احتفاء بالشعر في سيدي بوسعيد

محمد الحرز * صحيفة اليوم

أجمل ما في المهرجانات الشعرية العالمية أنك تتعرف على أصوات شعرية متنوعة التجارب، ومختلفة الأجيال، وذات حساسيات جمالية ولغوية متعددة المشارب والمرجعيات.

هذه السنة، في المهرجان العالمي للشعر بسيدي بوسعيد بتونس في دورته الثامنة «16 يونيو إلى 20»، كانت السعودية ضيف شرف على المهرجان.

وكانت الفرصة مواتية، ليس فقط للاستماع لهذه الأصوات شعريا، وإنما أيضا للتحاور معها، ومحاولة التعرف على الطبيعة العامة للمناخات الثقافية والإبداعية لتلك الأصوات، وبحكم أن البلد المضيف هي تونس، فقد كان شعراؤها من الجيل الجديد حاضرين بقوة بتجاربهم في المشهد الشعري التونسي.

تجمع البعض منهم صداقات. لكنهم رغم ذلك يملكون حساسيات مختلفة شعريا، فقصيدة رضوان عجرودي تختلف عن قصيدة محمد العربي أو قصيدة صبري الرحموني أو أنور اليزيدي عن قصيدة سامي الذيبي، فضلا عن تجربة آدم فتحي المعروفة عربيا ودوليا، والشاعر جمال جلاصي أيضا مناخاته مختلفة عن قصيدة سنية مدوري أو قصيدة هدى دغاري.

في ذات السياق، الشاعر الشاب جميل عمامي له نشاط مميز حول قصيدة النثر عبر مهرجان يقيمه في مدينة نابل.

ولا ننسى في المقام الأول مدير المهرجان الشاعر والمترجم معز ماجد، الذي كان له الدور الكبير هو وزوجته الإعلامية آمنة الوزير، في إنشاء هذا الجسر التواصلي بين الشعراء التونسيين والسعوديين، وبينهم وبين بقية شعراء العالم.

ناهيك عن الدور الأكبر لأيقونة الحراك الإبداعي في مشهدنا المحلي الشاعر أحمد الملا، الذي أسس الجذور الأولي لهذا الجسر التواصلي، وسعى جاهدا بكل ما يملك من طاقة في تذليل الكثير من العقبات، التي وضعت أمام هذا التواصل.

لذلك، لم تأت استضافة الشعراء السعوديين في هذه الدورة من فراغ، فهي نتاج عمل دؤوب ومتواصل لإعطاء القصيدة الجديدة في المملكة المكانة، التي تستحقها على الصعيد العربي أو الدولي. ومن جهة أخرى، لولا جهود الملحقية الثقافية في سفارتنا بتونس ممثلة بالروائي يحيى سبعي مع جهود هيئة الأدب ممثلة بالروائي محمد حسن علوان لما كانت الاستضافة بالأساس. وقد قدمت الدعم الكبير أثناء تجوالاتنا وكان الأستاذ أحمد طابعجي بحق مايسترو الرحلة ومحقق نجاحها.

إثمار هذه الجهود لم تقتصر بالنسبة للشعراء السعوديين على المشاركة في الأمسيات فقط، فقد هيأت الملحقية زيارة إلى مدينة تونس الثقافية، وهي عالم متنوع للإبداع والفنون والترجمة والمسرح والموسيقى ثم في اليوم ذاته، حضور عرض شعري مسرحي موسيقي على مسرح المركز الثقافي الفرنسي.

أما أصدقائي الشعراء والنقاد، وعلى رأسهم الناقد سعيد السريحي، الذين تشرفت بمصاحبتهم قدموا صورة عن وعي حقيقي في الكتابة الشعرية الجديدة، فالشاعر إبراهيم الحسين بهدوئه أمام المنصة يغريك بسهولة امتلاك نصه. لكنك تتفاجأ بعمق ما يكتب وفي نفس الوقت سلاسته. الشاعر غسان الخنيزي يقرأ قصيدته وكأنه ينتزعها من أقاصي مخيلته دون أن تشعر بأنها منتزعة من فرط حساسيته الشعرية تجاه ذاته، وكل الأشياء الحميمة في حياته. عبدالله ثابت القادم من القرية وتضاريسها تنفتح قصيدته على تلك التضاريس وعمقها التاريخي، صالح زمانان لا يبتعد كثيرا هو كذلك عن تضاريسه، فصلابة قصيدته تأتي من كونه يخترق مخيلته مثل رمح ولا يأبه. أما الصديق هاشم جحدلي، فهو الذي يدلل قصيدته مثل طفل، ويعتني بها حتى تكبر بين يديه، وملتصق بها حتى تفيض عليه كالبحر بكلماتها ومعانيها.

وإذا ما تأملت قصيدة أحمد الملا، فهي أشبه بالذي يقدح حجرا على حجر؛ ليمسك الشرارة بيده، فتتحول إلى قصيدة تجيد قراءة تحولات النفس البشرية. بينما الشاعر زياد السالم المسكون باللغة، والمفتون بالصحراء كأفق للرؤية والكتابة تظل قصيدته أمينة لطفولة مخيلتها. أما الشاعرة بديعة كشغري، فتقول ما تلزمها القصيدةُ قوله، وهذا الالتزام هو تعبير عن حياة الشاعرة في احتدامها مع الذات. بينما الشاعرة روان طلال فصوتها الخجول يعكس شفافية ما تكتب؛ لذلك قصيدتها مفصلة على مقاس حياتها في لحظتها الراهنة.

أولا: هذه الجمل القصيرة الاختزالية في تجارب وخبرات شعرية للأصدقاء ليست تقييما عاما، وإنما هو نوع من الاحتفاء بهم، ويحق للشعراء أن يحتفى بهم، ولو بهذه الجمل البسيطة.

ثانيا: لأبين أن حضور القصيدة الجديدة في هذا المهرجان من التنوع ما يعطي مؤشرا على قوة الحضور وتنوعه في سياق الكتابة الجديدة.